علاء المفرجي
استذكر الوسط الثقافي العربي في كل مكان، الذكرى الخامسة والثلاثين لاغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، ففي نهار يوم 22 تموز 1987،
عندما كان الفنان يمشي في أحد شوارع منطقة نايتس بريدج (وسط لندن)، متجها إلى مكتب جريدة «القبس» الكويتية حيث يعمل، تلقى عدة رصاصات وغاب عن الوعي، واستمر في غيبوبته نحو 37 يوما، حتى أُعلنت وفاته رسميا في 29 آب.
والفنان ناجي العلي يعد من أهم المثقفين الفلسطينيين، في تلك الفترة، وكان مصيره مثل مصير البعض من المثقفين الذي أدرجوا على قائمة الاغتيالات، أمثال عبد الرحيم محمود، وعلي فودى وكمال ناصر وقبلهم غسان كنفاني، لكن اغتيال العلي، حمل الكثير من علامات الاستفهام، وانتهى الى ان يوزع دمه بين القبائل المتصارعة حينها، لكن الموساد لم يكن بعيدا عن أمر اغتياله.
ومن نهاية الستينيات وحتى لحظة اغتياله كانت رسومه الكاريكاتيرية، سلاح ماضٍ في وجه أعداء قضيته، بل أصبحت هذه الرسوم ايقونة بارزة مع أيقونات أخرى للنضال الفلسطيني خلال فترة الستينيات والسبعينيات.
يعد الفنان ناجي العلي ظاهرة متميزة في مسيرة الكاريكاتير العرابي، ومن الفنانين القلائل الذين تركوا شواهد متميزة في مسيرة الفن العربي. ونظرة استعراضية لأعمال الفنان تكشف بشكل لا لبس فيه تلازم الفني والسياسي في أعماله.
فنستطيع أن نقول انه على يد ناجي العلي لم يعد الكاريكاتير مجرد موقف انتقادي ضاحك، بل موقف ساخر لاذع يشحن المتلقي بطاقة من الغضب، وشحنة من الرفض اللذين يحرضان على الفعل.
ورغن أننا لا نستطيع ان نقدم في هذا المقال القصير التفاصيل التي يرتكز عليها اسلوب هذا الفنان، والذي ما زال بحاجة الى دراسة أو دراسات وافية تفي هذا الفنان حقه لما أحدثه من انعطافة وتحول خطير في هذا النوع من الفن، لكننا سنحاول أن نحدد ما استطعنا الملامح الاساسية التي جعلت ناجي العلي يمتلك اسلوبا خاصا تميز بأنفراديته في فن الكاريكاتير العربي.
فالملاحظ على اعمال ناجي العلي، هو انها رسوم صامتة بمعني لا أثر للكلام فيها، فالكلمة هنا ليست سوى ملء للفراغ الخلفي للوحة، لأن حضور الكلمة، وبحسب أسلوب ناجي العلي، يستهلك قيمتها المؤثرة، فنراه يلجأ لكي يضفي قدرات خلاقة على اللوحة، الى الرسم بالكلمات حد الإدغام بمفردات اللوحة الأخرى، ونراه احيانا يكتفي بكلمة واحدة يختار موقعها عن دراية ودراسة، وفهم خلاق للعلاقة الحميمة مع المتلقي. فالفنان يمتلك قدرة متميزة في الأخذ بيد المتلقي للتركيز على الجانب المهم في اللوحة التي يطمح ان يركز عليها، أن هذا يتأتى من اختياره الرائع لزاوية النظر والتنويع في استعمالها لتقديم مكونات اللوحة.
ومن هنا تأتي التفاصيل الأخرى التي تميز أسلوب ناجي العلي من حيث استغنائه عن الزوائد والاضافات التي تشترك بمظاهرة الفكرة التي يطمح ان يوحي بها والتي تصل احيانا حد الاستغناء عن خط أو اشارة لا مبرر لها، حيث نراه يركز في لوحاته على الوشائج القوية التي تربط مكونات اللوحة التي نفصح عنها تلك العلاقة بين مختلف أشخاص الرسم واشيائه.
الميزة الثانية لرسوم ناجي العلي هو اعتماده على اللونين الاسود والابيض، فعلى الرغم من تضاد هذين اللونين وتناقضهما الشكلي، لكنهما مشحونان بدلالة عالية، حيث يبدوان للمتلقي وكأنهما متكاملين، فالأسود والابيض عند العلي يتجليان بوظيفة أخرى هي جزء من التقنية الفنية المتفردة التي يلجأ اليها الفنان.
أما عن النكتة في أعمال العلي، فهي ليست غائبة، رغم أنه لا يريدنا أن نضحك أو نعرف، بل يريدنا أن ندرك الحقيقة القاسية بكل ما تملكه من ألم حيث تمتزج النكتة بالحقيقة المرة وتتداخلان ليقدم لنا عبرهما فنه.
شخصية «حنظلة» التي أبدعها الرسام الراحل، والتي أصبحت توقيعا في نقده للاحتلال والحكام العرب، كما كانت سببا في تصاعد شهرته حتى اغتياله. و»حنظلة» هو الرمز الذي ابتدعه العلي عام 1969 عندما كان يعمل في الكويت، وقال عنه هو: لن يكبر إلا بعد عودته إلى فلسطين موطنه الأصلي، ويظهر «حنظلة» دائما مديرا ظهره عاقدا يديه خلفه، لأنه يرفض التسليم بأي محاولة احتواء أو مساومة على قضيته.
ولقي هذا الرسم وصاحبه تعاطفا من المتلقي العربي لأن حنظلة هو رمز للفلسطيني المعذب والقوي رغم كل الصعاب التي تواجهه فهو شاهد صادق على الأحداث ولا يخشى أحداً.
واضافة لهذه الشخصية أو الرمز، كان لدى ناجي شخصيات أخرى تتكرر في رسومه، مثل شخصية فاطمة التي تظهر في العديد من رسومه. وايضا شخصيتين أخريتين، هما شخصية السمين ذي المؤخرة العارية الذي يشير فيه الى القيادات العربية وشخصية الجندي الإسرائيلي، ذو الانف الطويل، الخائف دائما من حجارة الاطفال.
هذه الشخصيات التي غالباً ما تزخر بها رسوم ناجي العلي فضلا عن شخصيات أخرى تفرضها الأحداث التي يجسدها في رسومه.
أن ما يجعل ناجي العلي ظاهرة متميزة، هو انه ومنذ البداية اختط لنفسه اسلوبا خاصا نأى به عن التقليدية والمحاكاة، وجعل من أعماله رموزا لا تخطئها العين للدلالة عليه بوصفه فنانا وظاهرة استثنائية في تاريخ الفن العربي.