علي حسين
تجلس أمام شاشة التلفزيون في انتظار أن تشاهد سياسياً عراقياً ، يظهر للناس بلحمه وشحمه ليخبرهم أنه يعتذر عما جرى في السنوات الماضية وأنه قرر أن يترك المناصب والسياسة، فتجد بدلاً من ذلك السيد سعد المطلبي يعلن بكل ثقة أن التسريبات الصوتية للسيد نوري المالكي مؤامرة قادتها إسرائيل.. تحاول أن تبتسم على هذه النكتة ، فتجد من يخبرك أن رئاسة الوزراء يجب أن لا تخرج من جعبة دولة القانون، فلا يزال مشروع "ما ننطيها" قائماً ويتجدد .
تذهب إلى تويتر والفيسبوك فتجد الجميع منشغلون بمطرب اسمه سيف نبيل قاده حظه السيئ لأن يغني إحدى أغنيات فيروز. تقرأ التعليقات فتعتقد أن سبب خراب العراق وإشاعة الفساد ونهب المليارات يقف وراءها مطرب يمتلك حظاً بدلاً من الصوت.
تعلمنا تجارب الدول ان صناعة الفشل لا تقل خطراً على الشعوب من صناعة الإرهاب، الثانية تحاول إسقاط الدولة بالقاضية، لكن الأولى تجعلها تتآكل من الداخل حتى تجد نفسك فجأة أمام منظومة عاجزة عن الوفاء بأي التزام، لأن التزامها الوحيد كان للكرسي والصفقات السياسية.
تتغير الحكومات في بلدان العالم، ويذهب رئيس وزراء ويأتي بعده آخر، دون أن يحتل الخبر الصفحات الأولى ولا اهتمامات الناس.. فالبلدان لن تتغير برحيل مسؤوليها، في كتاب بعنوان "دروس السلطة" يخبرنا الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند أن مغادرته قصر الرئاسة ودخول ماكرون لم يجعل الفرنسيين يسألون ما الذي حدث؟، لأن النظام هناك ثابت يتحرك فى إطار محدد من القيم الأساسية المستقرة عن هوية البلد والمجتمع ومصالحه الأساسية وحقوق مواطنيه وحرياتهم.
عندما قال هولاند إنه لن يترشح، لم يصرخ أحد لا بديل، ولم يقل هو سأغادر مرفوع الرأس، لأن مهمة النظام السياسي الأساسية، هي في خلق مجتمع ينشد الاستقرار المستمر.. هناك كان لديهم عشرات البدائل.. وهنا يصرخون في وجهك بأنه لا بديل عن دولة القانون إلا دولة القانون .
لا أحد في العراق منذ 19 عاماً اعتبر بناء نظام سياسي قوي ومستقر، وقادر على الاستمرار والتجدد والتحديث وفرز البدائل، مشروعاً وطنياً مهماً.
لست خبيراً في شؤون السياسة، ولا في ستراتيجيّات الدول الصاعدة نحو الديمقراطية، لكنني عندما اقرأ هذه التغريدة التي كتبها الصحفي الكويتي حسين عبد الرحمن والتي يقول فيها : " تالمت واحزنني كلام مدرب العراق المشارك في مسابقة بطولة اسيا لرفع الاثقال في طشقند عندما قال ان الوفد العراقي لهذه البطولة يتكون من لاعبين اثنين فقط والسبب انهم لم يتمكنوا من شراء تذاكر السفر لباقي الاعبين لارتفاع اسعارها من بغداد الي طشقند " . اؤمن اننا نعيش في كوميديا سوداء ، لن تنتهي بانتخاب رئيس وزراء "قانوني"