إياد الصالحي
سيذكر التاريخ الرياضي بعنوان بارز موقف اللجنة الأولمبية الوطنية التي عبّرَت عن إحتجاجها على الدماء العراقية البريئة التي أريقت في منطقة سياحية بمحافظة دهوك، يوم الأربعاء العشرين من تموز 2022 بفعل القصف التركي، أكثر من استذكاره ميداليات رياضيينا فيما لو سُمح لهم بالمشاركة في دورة ألعاب التضامن الإسلامي المؤمّل انطلاقها في مدينة قونيا يوم التاسع من آب المقبل، والتي قرّرت الأولمبية سحبهم منها تضامناً مع أسر الضحايا.
قرار وطني مسؤول يرفع الرؤوس بدروسه الغنيّة التي ينبغي تكريسها والتثقيف حولها وتوثيقها بشهادات مُنصِفة ترتقي إلى مكانة كل رياضي مهما كانت قدراته ومنجزاته، فقد كان الرد الأولمبي بمستوى الحدث المهول الذي فُجِعت به كل بيوت العراق في تلك الظهيرة المُبكية عندما تقافز الأطفال بين أشجار المصيف بصرخات نجدة الأباء والأمّهات والأجداد فزعاً من منظر دماء الشهداء والجرحى!
بعد أن نالت الأولمبية ما تستحقّه من ثناءٍ على موقفها، برزت تساؤلات موضوعية بشأن مدى سلامة قرار المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية الوطنية من نواحٍ عدّة، فبرغم استقلالية عملها كإحدى منظمات المجتمع المدني، وارتباطها بمرجعية دولية وآسيوية تُماهي نُظمها وقوانينها معهما، ولا تتقاطع مع النظام الديمقراطي الجديد في البلد، وتعمل وفقاً لأحكام القوانین المحلية النافذة، لا يُعرف هل فاتح المكتب التنفيذي السُلطة الحكومية المسؤولة عن هكذا قرار مُهمّ خرج عن إطار الرياضة ومفهوم التنافس فيها واستند إلى بياني وزارة الخارجية ومجلس النواب وتصريحات مسؤولين رفيعي المستوى، لغرض استحصال الموافقة على الانسحاب؟
لماذا تُستحصَل الموافقة؟ في هذه القضية غطّت صورة المشاعر الوطنية التضامنية مع ضحايا الحادث التركي على خلفية الصورة المُتعلّقة باستعدادات الاتحادات التسعة المتواصلة منذ أشهرعدّة في معسكرات إعدادية مُكثّفة وهي ألعاب القوى، والقوس والسهم والسلة (3 × 3) والجودو، والكيك بوكسنك، والمبارزة، وكرة اليد، ورفع الأثقال إضافة الى كرة الطاولة لمتحدّي الإعاقة، وما أنفقته من أموال كبيرة يضاف اليها قيم العقود التي أبرمت مع مدربي منتخباتنا الوطنية لبعض تلك الألعاب خصيصاً لهذه الدورة وكذلك للدورة الآسيوية 19 هانغشو الصينية التي تم تأجيلها، هذه الأموال ليس من السهل أنفاقها من مشروع لصناعة الإنجاز يُلغى تعكّزاً على بيانين لوزارة الخارجية ومجلس النواب ربما يتغيّر موقفهما عطفاً على مشاورات الحكومتين وسعيهما للمحافظة على السلام بين المجتمعين الجارّين، فماذا سيكون موقف الأولمبية إزاء دورة التضامن؟!
نعم لحُرمة الدماء فهي غالية لدى جميع الشعوب، ونعم لحُرمة الأموال أيضاً فهي ثروة الشعوب ممثلة هنا بالرياضيين الأبطال الذين يحقُّ لهم استثمارها من أجل إهداء العراق أغلى الميداليات والظهور بالمستوى المشرّف أمام الوفود المشاركة، وعليه فإننا نتطلّع مثلما الإخوة في اللجنة الأولمبية الوطنية والاتحادات الرياضية كافة إلى أن قرارات المشاركة والانسحاب تأخذ بنظر الاعتبار أهميّة الانفاق المالي للرياضي خلال فترة التجهيز لإنجاز الهدف المّحدّد له وعدم تبديده ليبدأ من الصفر بحثاً عن ميزانيّة جديدة تستلزم مفاتحات ضمن سلسلة طويلة من الجهات الرسمية مقابل تلكؤ برنامج الإعداد وفقدان البطل خصائص حيوية تسهم في تطوّره بدنياً قد لا تتوفر له في معسكرات أخرى سيما أن هذا العام لم يختبر اتحاداتنا في دورات نوعية!
وبقدر حرص اللجنة الأولمبية الوطنية على مشاركة الاتحادات الفاعلة بـ 73 رياضياً في دورة التضامن الإسلامي، لـ 6 ألعاب، فإننا نأمل مساءلتها لبقية الاتحادات خاصة أن الدورة تحتضن21 فعّالية رياضية! ما مصير البقية، ولماذا تُسجِّل بعضها نتائج لا تتناسب مع الدعم المُقدّم لها من الحكومة ومن الأولمبية نفسها؟
آن الأوان أن تكون للأموال حُرمة لا يجوز انتهاكها في بطولات عربية وقارية تودّع رياضيينا من أبواب الخيبة بمراكز متأخّرة، المُساءلة واجبة كي يشعر أي رئيس اتحاد أن نجاحه يتوقف على نتائج فرقه خارجيّاً وألاّ يوهِم الإعلام بالحديث عن الفارق الفني أو قلة الخبرة، ليعلم جيّداً أن الفارق الحقيقي يكمن في عجزه عن إدارة الاتحاد وتمدّده في منصبه بلا خبرة ولا عبرة!