طالب عبد العزيز
منذ أن ولغ لسان الملح في شط العرب والبصريون يتطلعون الى كلمة من رجال الحكومة العراقية تقضي ببتر اللسان هذا، وتخلص المدينة من شروره، باقامة السد الذي مازالوا مختلفين في مكانه، قبل الشروع المزعوم بنائه، لكنَّ شيئاً من ذلك لم يحدث،
حتى صار البصريون أحرص أهل الخليج على تعقب أخبار الطقس، واحتمالات المطر، متضرعين الى الله تارة،والى يد القدر الباطشة تارة اخرى، وبما أنّض إرادة الله بالمطر في الصيف شبه مستحيلة، لهذا لم يبق من آمالهم إلا ما تعلق بيد القدر، التي يرجون الله أن يخسف البلاد بها، وتطيح بالعملية السياسية كلها، وتنهي معاناتهم التي ابتدأت ببدء الخليقة ولم تنته بهؤلاء.
لا يملك الرجل المتقاعد مثلي مبلغ شراء الماء لتغطية مجمل حاجياته منه، في غسل الملابس والاستحمام والشرب والطعام وري الاشجار وفسائل النخيل والاستخدامات الاخرى، في مدينة باتت الحياة فيها مكلفة، بل ويتحدث المسافرون قائلين بأن البصرة أغلى من دبي. ترى ما العمل؟ أيترك رجل مثلي، ناهز السبعين عاماً، مسقط رأسه ومسقط رأس أجداده، الذين سكنوها قبل غزوة عتبة بن غزوان بمئات السنين؟ والى أين يذهب؟ وجواز سفرة لا يساوي (بارة) عند مكاتب السفارات، وسحنته السمراء باتت تهمة في العالم الابيض، والمحافظ يوعد باقامة السد لكنه منصرف بطاقمه كله الى خليجي 25، الذي يأمل من خلاله بجعل البصرة عاصمة الاولومبياد في العالم.
والله ان مشهد الحيوانات والطيور وهي تلهث ظامئة عطشى ليدمي القلب. سئمت وانا أضع طشوت الماء الحلو في الحديقة، للقطط والفواخت والعصافير، حتى دجاج الماء الذي موطنه النهر صار يصعد الارض المالحة ويبحث عن قطرة ماء حلوة. كل النخيل الذي اثمر عندي وفرحت به، وعقدت الآمال عليه بدا يتساقط حشفاً يابساً، ولا قدرة لي على ريّه، أنى لي ذلك والنخلة المثمرة في الصيف بخاصة بحاجة الى نصف طن من الماء الحلو في اليوم الواحد، ما أنا فاعل لها، وهي لا تحصل على لتر ماء في الشهر؟ من يقف الى جانب مئات الفلاحين والمزارعين الذي خسروا الموسم هذا، والمواسم السابقة منذ العام 2009؟ ولماذا تهمل الحكومة المحلية أمراً هو في صلب حياة الناس؟
إذا كانت الحكومة الفدرالية منصرفة بكليتها الى قضية اختيار رئاسة الوزراء، وتشكيل الحكومة (المنقذة)، الامر الذي تركت بموجبه أمر ملايين البصريين بالماء الحلو خارج عنايتها، فتركتهم يعانون ما تبقى من ايامهم، ترى لماذا لا تجعل حكومة البصرة قضية لسان الملح على رأس مشاريعها؟ هل هناك من مقارنة ووجهة حق بين حرصها على اقامة خليجي 25 في البصرة و اقامة السد؟ ثم اين دور النواب البصريين في برلمان ملا عبود الكرخي؟ وإذا كان المحافظ يملك جملة الصلاحيات التي تخوله باقامة عشرات المشاريع دون الرجوع الى حكومة بغداد أليس من الواجب عليه ان يبدأ بالسد، وينهي قيامة الله التي سقطت على رؤوس البصرين، دون خلقه.؟
أي زائر ابي الخصيب والتنومة والقرنة والمدينة اليوم سيصدمه مشهد غابة النخل والفاكهة والخضار التي كانت في الخيال، مثلما يصدمه مشهد الانهار التي تحولت الى مكبات للمياه الوسخة، مثلما يصدمه مشهد الناس وهي تندب حضها العاثر.. كل ذلك بسبب الماء، والماء لا غيره، عصب الحياة في كل ارض، السؤال هنا لماذا تجعل الحكومة العراقية قضية الماء في الدرك من سلم اهتماماتها؟ أليست هي المؤامرة؟ ام لها لون آخر؟