اجرت صحيفة (اليوم) المصرية لقاء مع أبو زيد كان الاخير خلال زيارته القصيرة لمصر وفيما يلي نعيد نشره بالمناسبة.* بداية كيف ترى الحالة الدينية في الشارع المصري في اللحظة الراهنة؟
ـ قبل فترة كتبت سلسلة مقالات تحت عنوان «تجريف التدين» وهي عبارة عن تأمل في حالة التدين التي تفرض نفسها بشدة، فالجميع الآن متدينون، يبدو هذا في عدد المساجد المتزايد، وفي الشكل الخارجي للفرد، حيث اللحى المتكاثرة والحجاب الذي يغطي الجميع، وعلى الجانب الآخر هناك غياب للقيم الروحية والأخلاقية، أي القيم الدينية الحقيقية، فالمجتمع الآن يعيش حالة من الانقسام، بين المبالغة في التدين الشكلي، وغياب القيم الروحية.هذه الملاحظة - وهي ليست جديدة - جعلتني أقارن بينها وبين تجريف الأراضي الزراعية التي يجري فيها تحويل الأرض المنتجة إلى شيء غير منتج، ربما يكون ذلك مكسبا وقتيا لصاحب الأرض، لكن على مستوى آخر هذا إفقاد للخصوبة الطبيعية للأرض.فالمسألتان متشابهتان، ففي الأولى تفقد الأرض خصوبتها الطبيعية، وعلى المستوى الديني يفقد الدين خصوبته الطبيعية وقدرته الحيوية على التطور، لصالح شعارات ومصالح ذاتية ووقتية مرتبطة بالنظرة الحاكمة سياسيا واقتصاديا.وعلى الجانب الآخر هناك رفض لمظاهر هذا التدين الشكلي، وفي بعض الأحوال يصل إلى رفض للدين نفسه عند بعض المثقفين، فلا نجد تمييزا بين الظرف التاريخي لهذا التدين وبين النظر إلى الدين بشكل عام.* في ظل هذا الجو العام وسيطرة «التدين الشكلي» نجد البعض ينادي بالعودة إلى الدين الشعبي الذي يفترض أنه بالأساس يحتاج أيضا إلى نقد وتفكيك، كيف ترى ذلك؟ـ أنا أفرق بين «الدين الشعبي» والدين «الشعبوي» وأرى أن حركة الإصلاح الديني الممثلة في جيل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده قامت على احتقار شديد جدا للدين الشعبي باعتباره وثنية، وجاهلية وانحرافا عن الدين الحق.وأعتقد أن أهم وظائف الدين الشعبي أنه يخلق وسائط بين المقدس والإنساني، فمثلا طقس المولد هو خير مثال على هذه العلاقة، ومحاولة مزج الدنيا بالدين فهناك حلقات الذكر وهناك أيضا لعب ورقص وما إلى ذلك.وفي رأيي هذا شيء صحي، وقد قتله الإصلاح الديني، الذي قام على مجموعة أفكار كان أهمها ازدراء التراث الشعبي بشكل عام وليس الجانب الديني فقط، فنجد مثلا توفيق الحكيم فيما بعد يقارن بين الجريمة في الصعيد والجريمة في شيكاغو، وينحاز إلى الجريمة هناك على اعتبار أنها أكثر تحضرا.ازدراء هذه الثقافة الشعبية أدي إلى نمو نزعة تبدو عقلانية، لكن على أرض الواقع لا تستطيع أن تلوم الفلاح البسيط الذي لا يستطيع الوصول إلى موظف الحكومة البعيد والعالي المقام، أن يتوجه بشكواه إلى أحد الأولياء، الذي هو على أرض الواقع أقرب اليه من الموظف، فحركة الإصلاح ساهمت في القضاء على الدين الشعبي، وعندما تحلل كتابات حركة الإصلاح الديني تجد هذا الازدراء، ولا تجد محاولة لفهمه أو تحليله.هذا الدين الشعبي هو أقرب للمقصد الحقيقي للدين، فإذا نظرنا على سبيل المثال الى «الحج» كشعيرة دينية مقدسة ونجد القرآن يقول: «ليشهدوا منافع لهم» إذن هناك جانب دنيوي إلى جانب الركن المقدس.نفس الأمر ينطبق على «المولد» الذي يحتوي على الذكر وأيضا على أسواق وملاه وألعاب للجميع، أليست هذه منافع!!لم تحدث للأسف دراسة لهذا الدين وأنا هنا لا أحاكم جيل المصلحين، ولكن فقط نرصد ما حدث، فحركة الإصلاح الديني كانت إلى حد كبير حركة رد فعل أكثر منها حركة فاعلة، فتم تجفيف الدين الشعبي، وخلق «دين شعبوي» يبدو عقلانيا، ويظهر فيه الإسلام دينا ودولة وأنه مشروع من أجل الحياة وأن «المسلم» يجب أن يكون منغمسا في جميع مناحي الحياة الدنيوية، هذه هي الصبغة العقلانية بالمعنى الإصلاحي، لكن على مستوى آخر خلق هذا في نهاية الأمر هذا التدين الشكلي.في رأيي يجب إعادة النظر في الفرق بين الدين «الشعبي» و«الشعبوي» وفي التراث الذي خلقته حركة الإصلاح الديني.* منذ فترة نشرت عدة أخبار حول عكوفك على مشروع ضخم يتضمن إعادة ترتيب النص القرآني طبقًا لأسباب النزول.. فهل هذه هي المحاولة الأولى تاريخيًا وما هي ملامح هذا المشروع؟ـ على مدار تاريخ القرآن هناك أكثر من نظرية ومحاولة لترتيب نزول السور منها محاولات إسلامية - المكي والمدني - ومنها محاولات استشراقية، لكن ليس هذا هو ما أعمل عليه، فسؤالي الأساسي هو: هل السورة في القرآن تمثل وحدة مستقلة بذاتها؟ أنا أرى أن السورة في القرآن مجموعة من «الوحدات» التي تم جمعها مع بعضها البعض، ورأيي - وهناك من يختلف مع هذا - أنه ليست هناك وحدة في السورة الواحدة، ولكنها تتضمن عددا من الخطابات، وأن تحديد الخطابات داخل السورة مسألة عسيرة وليست سهلة.وهذا يرجعني مرة أخرى إلى سؤال أساسي ما هو الخطاب؟ أو ما هو القرأن؟ في بداية عملي.. تعاملت مع
أنا استمرار لمشروع محمد عبده وأمين الخولي
نشر في: 9 يوليو, 2010: 06:52 م