غني عن التعريف، له من اسمه “العالم” النصيب الأوفى، يتعانق في ممارساته الفكرية والإبداعية “النظر” و”العمل”، دون أن ينتمي إلى مفكري “البرج العاجي”، ولا إلى “نفعية” رجل السياسة، قادر دائما على ممارسة “النقد الذاتي”
على المستويين النظري والعملي، ولعل هذا هو الذي مكّن له سبيل الحماية من التقهقر عما يؤمن به، فلم يرتحل من “اليسار” إلى “أقصى اليمين” كما حدث لبعض أقرانه، ولم يدخل في سلسلة “التنازلات” اندماجا في “الأمر الواقع” كما حدث ويحدث للكثيرين. إنه مفكر صهرته التجارب، وعلمته الحياة أن الفكر إن لم يكن متجذرا في أرض الواقع جنح إلى اليوتوبيا، وإن استغرقه الواقع المباشر اليومي والمتجزىء صار “أيديولوجيا”. هذه الحياة الثرية التي تمتد من الجامعة إلى المعتقل، ومن رئاسة مجلس إدارة أكثر من مؤسسة صحفية وثقافية “دار الكاتب العربي، ومؤسسة المسرح والموسيقى، وأخبار اليوم ” إلى المعتقل مرة أخرى. هاجر من الوطن حيث عمل في إنجلترا في كلية القديس أنطون، ثم رحل إلى باريس حيث عمل مدرساً، فأستاذا مساعدا بجامعة باريس، وهناك قام بإصدار مجلة شهرية باسم ” اليسار العربي ” ثم عاد إلى مصر عام 1984. يشرف على إصدار “قضايا فكرية” كتاب غير دوري، وقد أصدر منه أربعة عشر عددا، وما زال يواصل كتاباته النقدية والفكرية والسياسية. رحلة مع الحياة والفكر جاوزت السبعين عاما جديرة بأن تثمر عطاء مترامي الأطراف في مجالات عدة كانت محور هذا الحوار الذي نقدمه اليوم لقارىء العربي، وقد أداره أستاذ الأدب والمفكر العربي المعروف الدكتور نصر حامد أبو زيد..يمتد نشاط محمود أمين العالم، الفكري، ليشمل الفلسفة والفكر السياسي والنقد الأدبي والإبداع الشعري، من “فلسفة المصادفة” إلى “في الثقافة المصرية” و”تأملات في عالم نجيب محفوظ “، تتنوع الكتابات بين “معارك فكرية” و”الثقافة والثورة” و”الوجه والقناع في المسرح العربي المعاصر” و”توفيق الحكيم مفكرا وفنانا”، ويطول بنا المقام لو عكفنا على تعداد إسهاماته في مختلف المجالات.لكن أهم ما يميز محمود أمين العالم أنه ينتج خطابا “مفتوحا”، ولعل هذا سر الاحترام الذي يتمتع به من خصومه قبل مريديه، والخطاب المفتوح هو نقيض الخطاب المغلق المتعصب، لأن الأول يتجدد من داخله بحكم قدرته على نقد ذاته والاستماع إلى نقد الآخرين، في حين أن الخطاب الثاني يتآكل بفعل الصدأ الناتج عن عدم قدرته على التجدد والنمو، ولأن خطاب العالم من النوع الأول، فإنه يتمتع على المستوى الشخصي بحيوية ونضارة يحسده عليها الشباب، حيوية العاشق للحياة ونضارة العقل المتفتح دوما للجديد والقادر دائما على النفي والإلقاء بكل ما يثبت زيفه إلى سلة المهملات، من الأسف أن المجال لم يتسع لأكثر من هذه الأسئلة السبعة المتشعبة في حوارنا مع الرجل الظاهرة، مدّ الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية… السؤال الذي يفرض نفسه: هل يعني انهيار الاتحاد السوفييتي كدولة انهيار المنظومة الاشثراكية والوصول إلى نهاية التاريخ كما زعم فوكوياما؟ وماهو مستقبل المنظومة الفكرية للاشتراكية فيما يسمى “النظام العالمي الجديد”؟ - لقد انهارت المنظومة الاشتراكية بالفعل بانهيار الاتحاد السوفييتي ودون أن ينفي هذا استمرار وجود تجارب ونماذج اشتراكية في الصين وكوريا الجنوبية وفيتنام وكوبا، فضلا عن وجود أحزاب شيوعية واشتراكية ديمقراطية في كل بلدان العالم الرأسمالي، بل في روسيا نفسها وبعض بلدان القوميات التي كانت مندرجة في الاتحاد السوفييتي، أو في إطارها إلى جانب بعض بلدان العالم الثالث، وهناك أنشطة وندوات ومؤتمرات ومهرجانات تجرى وتنعقد في أنحاء عديدة من العالم تحت راية الاشتراكية والماركسية، والماركسية لا تزال مادة دراسية ومنهج بحث في مختلف جامعات العالم، والكتابات عن الماركسية لا تزال تتصدى لقضايا الواقع الراهن سواء في المجلات الماركسية التي تنشر في مختلف لغات العالم، أو في بعض الكتب والدراسات الجديدة، فانا اقرأ هذه الأيام كتابين مهمين أحدهما للمفكر الفرنسي باليبار بعنوان “فلسفة ماركس ” وآخر للفيلسوف ديريدا عن أشباح ماركس، وعلى الرغم من اختلافهما منهجا ورؤية، فكلاهما يناقش دلالة الماركسية واستمرارها كفكر نقدي أو كممارسة ثورية. إن التاريخ بالطبع لم يصل إلى نهايته – إذا كانت له نهاية اللهم إلا نهاية كونية فاجعة؟! وما يقوله فوكوياما هو موقف فكري أيديولوجي يسعى به لتكريس وإعطاء مشروعية كلية مطلقة للنمط الليبرالي الرأسمالي. على أن الصراع الطبقي لم يتوقف على مستوى كل بلد وعلى مستوى العالم أجمع، ويتخذ هذا الصراع أشكالا مختلفة وطنية وقومية وعرقية وأيديولوجية، والنظام
ابو زيد ..في حوار مع محمود امين العالم
نشر في: 9 يوليو, 2010: 07:00 م