TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > غياب رائد العقل

غياب رائد العقل

نشر في: 9 يوليو, 2010: 07:02 م

د  خالد عزيز جابرفي زمن التراجع الفكري والسياسي المتصاعد في المجتمعات العربية، وفي زمن يزحف فيه العقل الخرافي ويحتل منبر الاعلام والمنتديات الثقافية، يفتقد الفكر العربي واحدا من ابرز مفكريه التنويريين الذين كرّسوا حياتهم للدفاع عن العقلانية وحرية الفكر والاجتهاد.
 انه الكاتب المصري نصر حامد ابو زيد، الذي لقب بـ"الشهيد الحي". دفع ابو زيد ثمنا غاليا لدراساته حول النص الديني بسبب اعتماده منطقاً وتوجهاً مخالفين للتقليد السائد. اقيمت الدنيا عليه ولم تقعد حتى الان، وسخّر القضاء المصري نفسه في تلفيق التهم ضده بالردة والالحاد، فأصدر قرارا تعسفيا بتفريقه عن زوجته. وضع على لائحة المطلوب تصفيتهم جسديا بعدما افتى رجال دين ينتمون الى ازمان القرون الوسطى ومحاكم التفتيش بإهدار دمه.rnسلطة العقل في مواجهة سلطة النصتركّز قسم كبير من عمل نصر حامد أبو زيد على قراءة النص الديني من جميع جوانبه التاريخية واللغوية والأهداف الدينية التي سعى إليها، وكان سلاحه في مقاربة هذا النص اللجوء إلى العقل ليمكن عبره وحده فصل الأمور المتداخلة بين ما هو ديني وما هو دنيوي.لذلك احتلت قراءته لمفاصل الخطاب الديني أولوية في مقاربة سائر المسائل التي يفرزها هذا النص على صعيدي النظرية والممارسة. يحدد أبو زيد في كتابه "نقد الخطاب الديني"، هذه المفاصل بأربعة. يتعلق الأول بمقولة "التوحيد بين الفكر الديني وإلغاء المسافة بين الذات والموضوع" (ص14)، حيث يشير إلى إدراك مبكر لدى المسلمين أن "للنصوص الدينية مجالات فعاليتها الخاصة، وأن ثمة مجالات أخرى تخضع لفاعلية العقل البشري والخبرة الإنسانية، ولا تتعلق بها فعالية النصوص" (ص28).سعى الخطاب الديني إلى التوحيد بطريقة آلية بين النص الديني وبين قراءاته وفهمه له. بهذا التوحيد لم يعد الخطاب الديني يقوم "بإلغاء المسافة المعرفية بين "الذات" و"الموضوع" فقط، بل يتجاوز ذلك إلى ادعاء ضمني بقدرته على تجاوز كل الشروط والعوائق الوجودية والمعرفية والوصول إلى القصد الإلهي الكامن في هذه النصوص" (ص28). تكمن خطورة هذه الوجهة في القراءة في كون الخطاب الديني المعاصر يتحوّل في اتجاه اعتبار نفسه "متحدّثا باسم الله"، بكلّ ما يعنيه ذلك من تسليط هذا الخطاب على الفكر والاجتهاد واستخدام العقل في تحكيمه سلطانا على صحّة هذه القضية أو تلك.يتناول المفصل الثاني مسألة "تفسير الظواهر كلها بردّها جميعا إلى مبدأ علة أولى، تستوي في ذلك الظواهر الاجتماعية والطبيعية" (ص14). تسود الخطاب الديني مقولة عن وجود إسلام واحد لا يبلغه إلاّ العلماء، تحوي هذه المقولة أبعادا خطيرة "تهدد المجتمع، وتكاد تشل فاعلية "العقل" في شؤون الحياة والواقع. ويعتمد الخطاب الديني في توظيفه لهذه الآلية على ذلك الشعور الديني العادي، فيوظفها على أساس أنها إحدى مسلمات العقيدة التي لا تناقش. وإذا كانت كل العقائد تؤمن بأن العالم مدين في وجوده إلى علة أو مبدأ أول – هو الله في الإسلام- فإن الخطاب الديني - لا العقيدة - هو الذي يقوم بتفسير كل الظواهر الطبيعية والاجتماعية، بردّها جميعا إلى المبدأ الأول. وفي هذا الإحلال يتم تلقائيا نفي الإنسان، كما يتم إلغاء "القوانين" الطبيعية والاجتماعية ومصادرة أية معرفة لا سند لها من الخطاب الديني أو من سلطة العلماء" (ص32).ترتبت على هذه المقولة نتائج خطيرة لدى وضعها موضع التطبيق وخصوصاً منها نظرية "الحاكمية الإلهية" نقيضا لحاكمية البشر التي ازدهرت لدى الحركات الإسلامية في العالم العربي والآسيوي، خلال القرن الماضي، والتي عادت تتجدد بقوّة مع الإسلام الأصولي في شكله المتطرف وخصوصا في فكر تنظيم "القاعدة" وغيرها من الحركات الدينية السياسية المشابهة. يقوم المفصل الثالث في الخطاب الديني على "الاعتماد على سلطة "السلف" أو "التراث"، وذلك بعد تحويل النصوص التراثية - وهي نصوص ثانوية - إلى أولية تتمتع بقدر هائل من القداسة لا تقل - في كثير من الأحوال- عن النصوص الأصلية" (ص14). يحوّل الخطاب الديني أقوال السلف واجتهاداتهم نصوصاً مقدسة يصعب فيها الاجتهاد، بل أن الأسوأ يكون عندما يوحّد الخطاب بين "اجتهاداته" نفسه وبين الدين.يشير أبو زيد إلى تاريخ تبلور الخطاب الديني في محدداته الرئيسية فيعيده إلى الأمويين- لا الخوارج- الذين طرحوا "مفهوم "الحاكمية" بكل ما يشتمل عليه من دعوى فاعلية النصوص في مجال الخصومة السياسية وخلافات المصالح، وذلك حين استجاب معاوية نصيحة ابن العاص وأمر رجاله برفع المصاحف على أسنّة السيوف داعين إلى الاحتكام إلى كتاب الله" (ص38). وهو أسلوب ظل الحاكم المفتقر إلى الشرعية يلجأ إليه في كل التاريخ العربي والإسلامي حتى الزمن الراهن.الأخطر في الخطاب الديني الموروث من الزمن الأموي والمستمر في جوهر طرحه، هو اعتماد مقولة "الجبر" التي تعيد كل ما يحدث في العالم، بما فيها أفعال ا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram