ترجمة: عمار كاظم محمد ينتمي جواد كاظم للجيل الثالث من معالجي النخيل، التي هي واحدة من الاشجار التي تتراجع معدلات نموها في العاصمة العراقية.. وتقدم طبيعة عمله نافذة فريدة حول الكيفية التي غير بها العنف سلوكيات الناس في احياء بغداد المختلفة . يركب جواد كاظم يومياً دراجته الصدئة ويدور في احياء
بغداد التي غيرها العنف واحيطت بعض احيائها بالجدران العازلة وافرغ البعض من بيوتها وناسها الذين كانوا متماسكين ذات مرة.. وخوفا من ان يفهم خطأ على انه من الارهابيين يعلن عن نفسه بصوت عال في المداخل الامامية للبيوت ويخفي فأسه في عملية المفاوضة مع صاحب الدار، وكل توقف بالنسبة له مغامرة في بغداد.. لكن جواد يثق بان اشد العراقيين حذرا واكثر صدمة سيقوم بحماية الرجل الذي يستطيع معالجة الاشجار. جواد كاظم يعتبر مهنته خطرة جدا، قائلا انه من الصعب التنقل من باب الى باب في مكان تغيرت تركيبته السكانية بسبب العنف مضيفا انه "يعتمد فقط على الله وعلى اشجار النخيل" قائلا ان 12 من اصدقاء مهنته قد قتلوا وهو متأكد ان العديد من زبائنه الدائميين قد غادروا لكنه يعرف انه من الأفضل ان لايسأل فلديه عمل يؤديه.. يقول ضاحكا " انني مثل سائق التاكسي التقط زبائني اينما يكونون" .وطوال فترات الحروب والانفجارات والاهمال بقيت النخلة العراقية ثابتة، المزارعون في تلك الاراضي يزرعون النخيل منذ عهد بلاد الرافدين القديمة.. والفنانون خلال العصور كانوا يحتفلون بوفرة وجمال اشجار النخيل.. ومازال العراقيون يستعملون كل جزء فيها فهم ينسجون الحبال من اليافها والسلال من سعفها وهو عرض رقيق للأشجار التي تقاسي من هذه الحياة اليومية هنا. يدعوها جواد كاظم " الشجرة المباركة " لكنها كالبلاد التي ترمز لها تعاني من اوقات عصيبة . في ذروة انتاج التمور في العراق كانت التقديرات الرسمية تشير الى وجود 30 مليون نخلة لكن عقودا من الملوحة والحروب قد خفضا هذا الرقم بشكل كبير حيث ان منظمة الزراعة في الامم المتحدة تعتبر اعادة تأهيل النخيل في العراق مهمة وطنية مستعجلة. ان الامر يتطلب جيوشا من المزارعين لاحياء تلك الصناعة التي تتعلق بالنخيل ويجب أن يكونوا ماهرين في معرفة اوقات التلقيح ومتى يتم التشذيب ومتى يتم القطاف كما يقول جواد كاظم. العديد من اصدقاء مهنته من الكبار في السن قالوا بأنهم ليسوا راغبين بالمخاطرة بحياتهم من اجل عمل قيمته 10 دولارات لمعالجة كل شجرة . مازال هناك الكثير من الزبائن في الجنوب يدفعون ذلك المبلغ حيث المكان أكثر أمانا والاشجار اكثر وفرة وكان جواد كاظم قد ترك منطقته الزراعية في النجف قبل عقد مضى بعد أن سمع كم ان العوائل في بغداد تدفع مبالغ سخية لتشذيب نخيلهم لكن القليل من زبائنه قد بقي في الوقت الحاضر. يقول جواد " ان الكثير من العوائل قد غادرت من مختلف الاحياء في بغداد وحتى حينما اجد ناسا غرباء بدلا منهم فهم لا يخبروني الى اين ذهبت تلك العوائل هم يقولون فقط ان العائلة السابقة قد غادرت او انهم من اقربائهم والبعض منهم كان يكتفي بالقول نحن نعيش هنا بدلا عنهم ". يقول جواد " ان الحروب السابقة قد عرقلت عمله لكن حرب اسقاط النظام والفوضى التي اعقبت ذلك غيرت من تقاليد العناية بالنخيل والناس معا فلم تعد العوائل تسلمه مفاتيح بيوتهم لكي يدخل الى حدائقهم ويعمل بينما هم نيام او خارج المنزل ولم يعد بمقدور النساء والفتيات اللواتي في المنزل ان يسمحوا له ان يخطو خطوة واحدة في املاكهم فهن يصرن على ان يعود حينما يكون اقرباؤهن من الذكور موجودين ، ولم يعد يتحدث معه زبائنه فلا احد يريد الخوض في تفاصيل يمكن ان تؤدي الى اختطاف او تهديد آخر . كان جواد يعيش في بيته هاربا من بغداد بعد ارتفاع وتيرة العنف بين عامي 2006 واواخر عام 2007 لكن في بدايات عام 2008 حينما بدأ العنف بالانحسار عاد مرة ثانية الى بغداد وشاهد ان الكثير من شوارع بغداد قد ملئت بنقاط التفتيش والحواجز لذا كان يجب عليه ان يركن دراجته خارج الجدران العازلة ويبحث عن الزبائن سيرا على الاقدام وقد صدم فعلا حينما رأى مقدار ما تركه العنف على البيوت والناس حيث غدت تلك الحدائق الجميلة خرابا وكانت النخيل غير مقطوفة الثمار من التمور بينما السعف مكوما على الارض اما الاشجار التي زرعها منذ عدة سنوات فتم قطعها او اجتثاثها لربما لتوضيح الرؤية للقناصين من الامريكان او الارهابيين لقد كان الخراب كبيرا جدا، يقول اشعر كما لو انني جرحت نفسي . لكن الاشجار التي تولى عنايتها منذ سنتين قد عادت الى الحياة مجددا فقد شذب سعفاتها الميتة ولقحها في الربيع وعالجها من الجرذان والامراض والحشرات وهاهي اليوم تحمل عناقيد التواريخ الصفراء القاسية التي يجب أن تنضج لكي تتحول الى تلك الفاكهة السمراء الحلوة هذا الصيف قائلا " ان كل شيء بمقدروك ان تعالجه". عن :كرستيان ساينز مونيتر
العراق فـي عيون معالجي النخيل
نشر في: 9 يوليو, 2010: 07:59 م