طالب عبد العزيز
تقول اخبار الطقس بأنَّ العراق سيكون مكاناً مستحيلاً للعيش، بسبب الارتفاع المتوقع لدرجات الحرارة، خلال الثلاثين سنة القادمة، وأنَّ البصرة ستغمرها مياه البحر، فلا ناس ولا نفط ولا نخيل ولا شوارع، وسيمسي كلُّ شيء أثراً بعد عين.
الآن، يمكننا تخيل مشهد هروب السكان الى الصحراء، وانتشارهم في مخيمات على الرمل، قرب حقول النفط، مثلما يمكننا تخيل مشهد الحيتان والكواسج والأسماك الغريبة في شط العرب والأنهار المتفرعة منه. قد تصمد اشجار المانغروف التي غرستها هيئة البيئة والتشجيرعلى السواحل في الفاو وخور الزبير وأم قصر التي ستتشكل على هيئة محمية للطيور، وربما تزحزحت الرمال في اطراف الرميلة والبرجسية فكانت غابة للأثل والايكينوكاربس، تستوطنها الوحوش، فالصورة ترتسم في الذهن شيئاً فشيئاً، وتكمل في الوجدان الحيِّ، إلا أنها ستظل خارج العقلية الحاكمة .. لكننا، نعتقد بأنَّ أخباراً كهذه لابدَّ أنْ تثير فزع الحكومات، قبل السكان، لأنَّ ما يقال ليس كهانة، إنما من العلم واليقين.
يتغافل القادة السياسيون عن كل شيء يحدث في البلاد، ما لم يمسهم في الصميم، فهم يقيمون الدنيا إذا ما تعرضت صفةً من صفاتهم للنقد، وليس أجدى وأنفع وسيلة في الدفاع عن الصفات تلك أنجع من اضفاء القداسة عليهم، فنرى انهم مقدسون بالفطرة، وجمهورهم يربي القداسة، يعلفها من لحم جسده، حتى إذا امتلكته صار الحارس والمدافع المطلق عنها، غير عابئ بما يدور حلوه، وما يخطط له، لأنه خرج من حياته الى حياة سيده، وارتضى من كل ما في الكون من المال والطعام والشراب بما يرمى له، هذا الترويض الذي هيكل العقل وانتهى به الى خرقة لا تستحضر إلا بتجنب النار.
الأحزاب السياسية الدينية التي حكمت العراق بعد ربيع 2003 غير معنية بأمر ما سيكون عليه الوطن، المفردة التي تنعدم في ادبيات الأحزاب تلك، فهي مشغولة بجذب جماهيرها اليها، لتمكينها من الاستمرار في الحكم، والجماهير هذه منقادة بقوة الغيب، المتحكم الفعلي في العقول. كل طرف أخذ حصته منها، فهو يجيّش ويحترب ثم يمتلك بها، وأجساد العقول هذه مكتفية بفتات ما يلقى فيها، بين الحين والاخر، يغذونها بحروب الطوائف مرة، بالغزو الخارجي مرة أخرى، وبما شاءوا من البدع والاخيلة، حتى تمت استمالتها، وترويضها، وأصبح حالها كحال نمور زكريا تامر، بعد عشرة أيام من وجودها في القفص. وقد ﺻﺎﺭ ﺍﻟﻧﻣﺭ ﻣﻭﺍﻁﻧﺎً، ﻭﺍﻟﻘﻔﺹٌ ﻣﺩﻳﻧﺔ.
ما يعمل عليه هؤلاء السياسيون يذكّرنا بمقولة المفكر وكاتب المذكرات الفرنسي لاروسفوكو(1613-1680):”لن يعيش البشر طويلاً في مجتمع إذا لم يكن بعضُهم خديعةً لبعضهم الآخر” هذه الخديعة، وهذه الخديعة والتعمية ستنهي الوجود الانساني على الارض العراقية هذه، التي بدت تتضح عليها معالم الحياة المستحيلة، من خلال ما يعيشه الانسان في البصرة، ففي درجة تتجاوز الـ 50 مئوي، ونسبة رطوبة تقترب من الـ 90، واستقرار الملح في نهرها، مع شمس ترسل أشعتها لهبا وجحيما تكون عبارة تودروف: إذا أصبحنا واضحين فأن المجتمع سيختفي” شعاراً ومنهجاً واضحاً عند هؤلاء الحكام.