لطفية الدليميتكرس وسائل الاتصال الحديثة أنواعاً لا حصر لها من الاستهلاك المفرط ومنها ( استهلاك الوهم ) وتمجيد الشهرة ،وبقدر ما أنعشت ثورة الميديا آفاق التواصل بين البشر وطورت التنافس الحيوي بين المنتجين وعززت الحوار بين الثقافات، بقدر ما حولت البعض إلى مهووسين بالظهور ،
وقد يكون أغلب ما يعرض على المواقع الافتراضية التواصلية المتاحة للتداول مثل مواقع اليو تيوب أو الماي سبيس أو ميتا كافيه او الفيسبوك وتويتر لا يتعدى كونه إجراءا للإعلان عن النفس والتعبير عن حاجة للظهور والتواصل الإنساني عبر صور أو موسيقى او نص متواضع أو حتى فعل عنفي أو تحقيري للآخرين، ويصبح بوسع من يشاء أن يعلن نفسه ممثلا أو فنانا أو كاتبا أو شاعرا او هجاء جارحا،فيتعدى الأمر حاجة التواصل الإنساني وعزلة البشر وتنشأ عن ذلك حالة من وهم النجومية يستولدها الاستعراض الذي يحول الفرد من شخص غفل إلى بطل ونجم على وفق تصوراته الشخصية، ينال شهرة عابرة في مواقع التواصل، ليدعم شخصيته بقيمة خارجية مضافة تلفت إليه الأنظار وتشعره بالرضا عن النفس والظهور بمظهر المتميز. لا يسأل أحد من الشغوفين بالشهرة عمن يتلقى مادتهم سواء كانت قصيدة أو فلما أو أغنية أو معزوفة أو تعليقا ساخرا فمعظم معارفهم يمارسون الفعل ذاته على المواقع الافتراضية وينشئون عوالم تشبع شهوة الاستعراض (نزعة الشو) لديهم ويتخيلون دوما وجود حشد من المتفرجين يتلقون عروضهم إما بمشاهدتها أو التعليق عليها أو تداولها مع الأصدقاء، ويصبح وجود المتفرجين غير أكيد لأن الجميع تحولوا إلى نجوم في نظر أنفسهم مما يقلل من إمكانية وجود متفرجين فيتحوّل عالمنا إلى استعراض كبير ينقصه الشهود.. 2تسهم برامج التوك شو في كثير من القنوات الفضائية العالمية -التي يعاد عرضها على قنوات عربية- في تعزيز نزعة الاستعراض ( الشو ) وترسيخ ثقافة (الاستعراء) التي يكشف فيها الفرد التواق للشهرة عن تفاصيل حياتية تكون في غالبها حميمة أو مخجلة بالمعايير العامة المتعارف عليها لدى معظم المجتمعات، وتعمل هذه البرامج على تحقيق قدر من الإثارة في الترويج لهذه العروض ويمسي الظهور في برنامج (ذي دوكتورز ) أو مع (د.فيل) او في برامج (أوبرا وينفري) حلما يراود مخيلات الشغوفين بالشهرة وإن عبر الإعلان عن سلوك فضائحي أو مشكلة صحية أو فشل أو إدمان أو إفلاس أو اقتراف جريمة.. وتكشف نزعة الاستعراض عن هشاشة روحية لدى عشاق الشهرة اليائسين من حياتهم الخاوية وكونهم على قدر من الحمق الذي يجعل موضوع الشهرة هدفا مصيريا لديهم مهما كان الثمن الذي يؤدونه من أجلها، ومقابل هؤلاء ثمة من يتلذذون بالتلصص على حيوات الحمقى الشغوفين بالاستعراض ليكتمل بهم شرط عملية الظهور وتتم عبرهم دورة الفعل الاستعراضي، ويتوجب على هؤلاء أن يذعنوا لشروط الشركات التي تستخدمهم كأدوات ترويج وإعلان وأن يكونوا على درجة من الكمال المظهري حسب المعايير المعتمدة في عالم النجوم، فمن اسنان مغلفة بالبورسلين الناصع ومعدلة الحجم وشفاه ونهود مدججة بالسليكون و خصلات شعر مشبوكة تطيل وتكثف الشعر وغيرها من وسائل التعديل الصناعية التي تتيح للمعدلين صناعيا أن يحظوا بالنجومية المشتهاة، ويقدم منتجو برامج الشو عروضا مجانية ترعاها شركات تجارية كبرى و يتنافس على الفوز بها ملايين المشاهدين المهووسين بالمظاهر ورشاقة الأجسام ومراعاة السائد من موضات الثياب والشعر وحالما يتحقق لهؤلاء (الكمال) المظهري المنشود -وهو كمال زائف ومؤقت- ويبلغون أقصى درجات التحول المظهري يحظون لبرهة قصيرة بالرضا والزهو تحت الأضواء متوهمين أنهم حققوا ذواتهم بتغيير جلودهم وأزيائهم، حتى يعودوا إلى بيوتهم ويواجهوا حقيقتهم في عالمهم الواقعي المحكوم بعوامل اقتصادية وعائلية ومجتمعية فتنفجر بالونات الشهرة والتضليل المبرمج ولا يعود هؤلاء قادرين على المضي في حياة طبيعية كما كانوا قبل إجراء التعديلات الزائفة، وتتلبسهم أهواء الشهرة الضاربة وتقض مضاجعهم محولة إياهم إلى فرائس للهوس المرضي أو الإدمان ويبذلون ما بوسعهم لمواصلة تكييف أجسادهم ومظاهرهم حسب المقاييس المقننة من قبل مدراء التسويق و الإعلان ويغدو الحفاظ على المظهر المعدل قضيتهم وهدفهم الأسمى يبددون من أجله الوقت والجهد والمال ويفضي هذا الخلل إلى تدمير حياة البعض ممن لا يعودون يتقبلون واقعهم بمواصفاته البشرية وخصائصه الثقافية المعروفة ..
قناديل ..ثقافة الاستعراض واستهلاك الوهم
نشر في: 10 يوليو, 2010: 05:22 م