إياد الصالحي
ليس من السهل أن تضع أمامك تاريخاً طويلاً يمرّ بك بمحطّات عديدة في ذاكرة أتعبتها الظروف بسبب غياب المسافرين معك ممّن كانوا يوثّقون الحدث، ويواكبون كل صغيرة وكبيرة تمرّ في العمل اليومي، لم يعد اللقاء بهم إلا عبر سطور العِرفان كُلّما أوقدنا شمعة جديدة للاحتفال بوجودهم الفرضي معنا بصورهم الباسمة ودموعنا الفاضِحة!
المدى الرياضي لم تكن في يوم ما إلا عائلة صغيرة وسط بيت أو قلب كبير - كوصفٍ أدقّ - نابض بالمحبّة ومُتآصر بالوفاء طوال تسعة عشر عاماً، لم تهزُّه تقلّبات أوضاع البلد السياسية ولا الاقتصادية، ولم ينجرّ وراء أزمات المصالح، ظلّ مُحافظاً على علاقاته المهنيّة بحكمة رجلٍ فكّ طلاسم التقلّبات ودوافعها، ونأى بأبناء بيته عن أيّ تهوّر بالكلمات يُعرّضهم إلى المُساءلة، ورُبّما التغييب عن الحياة في زمن صار للحرية ثمن خطير!
المدى في 2003 ليست كما في 2022، عشرات من أبطال بُناتها غادروا بيتها وملاحقه الأخرى كالتلفاز والإذاعة ومشاريعها الطموحة، إما لرحيلهم الى ربٍّ رحيم أو انتقالهم للعمل في مؤسّسات استقطبت خبراتهم التي نمت في بيت المدى، حتى فقدنا الكثير منهم، لكنّنا لم نفقد إرادة التواصل للمحافظة على البيت لِما يُشعرنا بقيمة الانتماء الى تاريخ العمل الصحفي الحقيقي، كيف شرعنا بوضع بصماتنا في شارع الصحافة الخطير أيام مواجهة الموت مرّة ومرّتين وثلاثاً حينما تبرّأ العراق من أفعال الطائفيين القتلة عامي 2006 و2007، ومع ذلك صمدنا وواصلنا العمل بثقة برغم هول الفجائع!
عائلة المدى الصغيرة بشخوصها خالد محفوظ وخليل جليل وحيدر مدلول وطه كمر (رحمهما الله) وإكرام زين العابدين ويوسف فعل وكريمة كامل والمُتحدّث، ثابروا بجدٍّ من أجل هذا اليوم الذي لم تزل مسؤولية أمانتهم كبيرة في عُنقي برغم غياب الجميع عن المشهد!
الثمانية كانوا إخوة أفاضل بحق ولا يمكن نسيان أعمالهم المتميّزة وجهودهم القديرة في تقديم المدى الرياضي على منصّة التقييم الجماهيري والمهني كالذي يردُ على ألسنة ضيوف صفحة اليوم لمناسبة إيقاد الشمعة 20.
ويتواصل الجُهد المُساند للمدى الرياضي بأذرع الزُملاء الكُتّاب المساهمين في مساحة الرأي، وهُم عمار ساطع ومحمد حمدي وسامر الياس سعيد ورعد العراقي في رفد الصفحة أسبوعياً بأفكار مهمّة تلقى اهتماماً من مسؤولي الرياضة للتناغم معها أو إضافة معلومات أخرى لمحتوى أعمدتهم المتفاعلة مع الأحداث بانتقادات تارة ومقترحات تارة أخرى تسترعي الاهتمام والإجراء المناسب من اصحاب القرار. لم نمرّ هنا على مواجهة المدى الرياضي مؤسّسات رياضية لا تريد أن تفهم رسائلها المُخلصة، ومضت بأسلوب إدارتها وسط سُخط عارم من الرياضيين الذين لم يزل أغلبهم يُطالب بتصفير أزمات الانتخابات وتغيير الوجوه وتعديل القوانين للبدء بعهدٍ جديد لا تشوبه اتهامات الفساد المالي، كي يمضي الأبطال صوب قمم التتويج بثقة وتصميم يدعمهم إعلام رياضي قوي يحتاج هو الآخر الى معالجة عملية وليست صورية لما تركته بعض سلوكيّات المُنتمين اليه من آثار سلبية لا تليق بمسمّاه ولا تاريخه ولا سُلطته.
كل عام وبيت المدى بخير.