ترجمة: حامد أحمد
أكد تقرير بريطاني تزايد حالات الاعتداء على الأطباء في العراق، وفيما أشار إلى أن قسماً كبيراً منهم يفكر بالهجرة إلى الخارج، تحدث عن آخرين يرفضون إجراء العمليات الجراحية المعقدة بسبب الخوف من الملاحقة العشائرية التي ينتج عنها دفع مبالغ عالية إلى ذوي المريض في حال وفاته.
وذكر تقرير لصحيفة (الغارديان) البريطانية ترجمته (المدى)، إن "مريم علي كانت قد دخلت توا لغرفة استراحة الأطباء في ردهة جراحة الأعصاب عندما امسك بها رجل وطرحها أرضا ووضع السكين على رقبتها".
وتابع التقرير، أن "عناصر أمن المستشفى قاموا عندها باغلاق المستشفى والقاء القبض على الرجل". وأشار، إلى أن "الطبيبة مريم تقول إنه لحسن حظها كانت كاميرات المراقبة في الردهة تعمل وسجلت ما حدث".
وبين التقرير، أن "مريم اضافت: أتذكر بوقتها قولي بأنني سأموت حتما، كنت في صدمة كاملة، ولعنت اليوم الذي أصبحت به طبيبة." وأوضح، أن "مريم، 27 عاماً، كانت طبيبة مقيمة في سنتها الثانية بعد التخرج في احدى مستشفيات الجراحة في بغداد عندما وقع هذا الحادث في كانون الثاني 2021".
وشدد التقرير، على أن "المهاجم كان قد ألقي عليه القبض وتم ايداعه السجن، ولكن مريم فكرت منذ ذلك الوقت، كما هو الحال مع كثير من الأطباء العراقيين، بمغادرة البلاد".
وتحدث عن، "استطلاع أخير لأطباء محافظة بغداد كشف عن تعرض 87% منهم للعنف خلال الأشهر الست التي تلت ذلك الحادث".
وأردف التقرير، أن "غالبية هؤلاء الأطباء ذكروا بان حالات العنف ضدهم قد تصاعدت منذ بدء وباء جائحة كورونا، وان ثلاثة ارباع الهجمات والاعتداءات كانت ترتكب من قبل مرضى وعوائلهم".
تقول مريم، ان "الرجل الذي هاجمها كان لصاً غالبا ما يسرق من المستشفى، وان ذلك مثال على ضعف الإجراءات الأمنية الذي يكشف المعدلات العالية من العنف التي يتعرض لها الأطباء اثناء العمل". وأكد التقرير، أن "مريم شكت هي وزميلاتها في مناسبات عدة عن القفل المكسور لغرفة استراحة الأطباء الذي لم يصلحه أحد". وشدد، على أن "هناك حالة شائعة في العراق ان يقوم أصدقاء وأقارب بمرافقة المريض في المستشفى، وفي بعض الأحيان يصل عددهم الى 15 شخصاً. وعندما لا يتمكن طبيب من معالجة مريض يحتضر او يشعرون بانه ارتكب خطأ، فان التوترات تتحول الى عنف". وقال رياض لفته وهو بروفيسور علم الأوبئة بالجامعة المستنصرية في بغداد، إن "المريض عندما يذهب الى المستشفى ويكون في حالة توتر وهيجان، فان الأطباء يواجهون صعوبة في التعامل معه، المرضى يصبحون غاضبين ويميلون للاعتداء."
واستطرد التقرير، أن "التراخي في إجراءات الامن تعني بان هذه الهجمات والاعتداءات قد تتخللها أسلحة، وتشير الإحصاءات الى ان 20% من المدنيين في العراق يمتلكون أسلحة".
ويعود لفته ليؤكد، أن "الناس قلقون ومسلحون في نفس الوقت، وان هناك مشاكل متعلقة بنظام الرعاية الصحية. كل هذه العوامل تساهم في تصاعد حالات العنف."
وشدد التقرير، على أن "لفته يستذكر شخصياً حادثتين قتل فيها طبيبان، وفي العام 2005 تم قتل مجموعة من 10 أطباء في محافظة كربلاء جنوب بغداد".
يقول لفته، ان "القبائل تعمل وفق نظام عشائري في العراق واستحدثت أسلوبا جديدا في الابتزاز".
وتابع لفتة، أن "هذه القبائل تقوم بتهديد أطباء وعوائلهم جراء أخطاء حقيقية او مفبركة، مطالبين بـ (فصل عشائري) يصل في بعض الأحيان الى 145 مليون دينار، وأطباء آخرون تحدثوا عن جزاءات أخرى صلت الى 300 مليون دينار".
ويواصل لفته، أن "هناك حالة في العراق، لسوء الحظ، هي ان اغلب الناس يعرفون ان بإمكانهم الإفلات من العقاب، وعندما لا يوجد هناك عقاب، فبإمكانك فعل أي شيء تريده." من جانبه، أفاد قتيبة عثمان، طبيب جراحة قلبية، بأن "مثل هكذا مشاكل جعلت قسما من الأطباء يلجؤون الى تصرفات معينة من خلال القيام بإجراءات طبية على المريض ليست ذات فائدة مجرد لاسترضاء افراد عائلته".
وتابع عثمان، أن "المريض عندما تراه انه قد مات وهناك 10 اشخاص يقفون بجانبك، فانهم سيقتلونك إذا قلت انه ميت، ولهذا يلجأ الطبيب لإعطائه صعقة كهربائية منشطة للقلب، ربما مرتين او ثلاث مرات او أربعة وحتى عشرة، انت تعلم ان هذا الشيء خطأ، ولكن ماذا عليك ان تتصرف في مثل هكذا موقف؟."
ولفت التقرير، إلى أن "عثمان يقول ان زملائه يقومون بهذا الاجراء يومياً، وانهم يأخذون احتياطات مسبقة في حال توقعهم موت مريض وهو انهم يستدعون رجال امن المستشفى". ونوه، إلى أن "العنف دفع اعدادا كبيرة من الأطباء لمغادرة البلاد"، مبيناً أن "دراسة أجريت عام 2017 أظهرت أن 77% من الأطباء المبتدئين يفكرون بالهجرة، وفي العام 2019 قال متحدث عن وزارة الصحة ان 20 ألف طبيب قد فعل ذلك، مشيرا الى ان عامل العنف هو أحد الأسباب الرئيسة لهذه الحالة". وذكر الطبيب لفته، أن "العنف لا يستهدف الشخص المعني فقط، بل يتعدى ذلك لزملائه وعائلته وأصدقائه او اقاربه، سابقا كانت لدينا مشكلة هجرة العقول، وان هناك بعض الدول تستقبل كفاءاتنا الطبية، اما اليوم فان تلك الظاهرة قد تحولت الى الدفع للهجرة، نحن نقوم بدفع عقولنا لمغادرة العراق بسبب العنف." واستطرد التقرير، أن "الجزاءات العشائرية والتهديدات تدفع الأطباء أيضا الى الابتعاد عن العمليات الجراحية المعقدة، الأطباء الخريجون الجدد يتحاشون خوض عمليات جراحية معقدة مثل عمليات القلب او عمليات الطوارئ". ويقول الطبيب عثماني، ان "اختصاصي هو جراحة قلبية ودائما ما تكون فيها معدلات الوفيات عالية، لا أحد يقدم على خوضها، وإذا ما أقدم طبيب على اجراء عملية قلب ويموت المريض فسيكون في مشكلة." وذهب التقرير، ان "الحكومة العراقية حاولت مكافحة هذه المشكلة بتشريع قانون حماية الطبيب لعام 2020، والذي يُسمح بموجبه للطبيب حمل مسدس اثناء العمل"، فيما يعدّ الطبيب لفته "هذا الاجراء بانه مثير للسخرية لأنه يعتقد ان توسع نطاق تملك السلاح هو وراء ظاهرة العنف أصلاً".
وتابع التقرير، أن "الطبيبة مريم تقول انها فقدت ثقتها بالمنظومة الصحية بعد قيام عشيرة المعتدى عليها بزيارة لبيتها في الليل للضغط عليها بسحب القضية والتنازل، فقد عادت الى العمل ولكنها تفكر بالهجرة". ومضى التقرير، إلى أن "مريم تقول: انا متعلقة جدا بعائلتي، لا اعتقد ان الامر يجدي بالعيش وحيدة من غيرهم، انه السبب الوحيد الذي يقف أمام تفكيري بالهجرة."
عن: صحيفة الغارديان البريطانية