صبيح صادق شاءت المصادفات أن يصل المستشرق إميليو غارثيا غوميث إلى بغداد، باعتباره سفيراً لإسبانيا يوم 13 يوليو 1958، أي قبل يوم من اندلاع الثورة في العراق. وإميليو غارثيا غوميث المولود عام 1905، والمتوفى عام 1996 هو أحد أبرز المستشرقين الإسبان في العصر الحديث، وله العديد من المؤلفات حول الأدب والتاريخ العربيين قديمًا وحديثًا، وترجم الكثير من النصوص العربية إلى اللغة الإسبانية، منها مثلا تحقيق وترجمة كتاب «رايات المبرزين»
لابن سعيد المغربي، وكذا ترجمة كتاب «طوق الحمامة» لابن حزم، ورسالة الشقندي في فضل أهل الأندلس، الواردة في كتاب «نفح الطيب للمقري» (ج3، ص ص186 - 222 طبعة إحسان عباس ) و«الأيام» لطه حسين، كما ترجم أيضًا إلى اللغة الإسبانية شعر العديد من الشعراء الأندلسيين مثل ابن الزقاق وابن زمرك.كتب غارثيا غوميث بحوثًا مهمة حول قصر الحمراء في غرناطة، مثل «قصائد عربية على جدران الحمراء»، و«أضواء قديمة على قصر الحمراء»، كما له الكثير من الكتب والبحوث التي لا يسع المجال لذكرها.من جهة أخرى، قام باحثون عرب بترجمة بعض كتب المستشرق غارثيا غوميث مثل كتاب «شعراء الأندلس والمتنبي» الذي ترجمه إلى العربية الدكتور الطاهر أحمد مكي و«الشعر الأندلسي» الذي ترجمه الدكتور حسين مؤنس.وكانت الأوساط الثقافية الإسبانية تحتفل باستمرار بالمستشرق غارثيا غوميث في العديد من المناسبات، كما احتفى به معهد الدراسات الإسلامية في مدريد، وخصصت مجلة المعهد عددًا خاصًا به.ويعد غارثيا غوميث واحدًا من أبرز مستشرقي إسبانيا في القرن العشرين، وصديقًا لجيل الـ27، جيل غارثيا لوركا والبرتي واليكسندره، وصدر أمر تعيينه سفيرًا لبلاده في العراق، عام 1958، في لحظة حرجة من تاريخه، وكان على غارثيا غوميث أن يكتب لوزارة الخارجية الإسبانية، ما يدور في العراق.وقد كتب غارثيا غوميث بعد تسلمه منصب سفير إسبانيا في العراق عن ثورة 14 يوليو ضمن تقارير خاصة بالسفارة الإسبانية في بغداد رفعها إلى وزارة الخارجية الإسبانية، وفيها يصف بعض أحداث الثورة في أيامها الأولى، هاهو نص ما كتبه سفير إسبانيا في بغداد غارثيا غوميث عام 1958:عند وصولي (بغداد) يوم الأحد 13 يوليو 1958، كان في انتظاري السكرتير الثاني للتشريفات، وذلك لانشغال السكرتير الأول، وكان من المقرر أن أقوم بأول اتصال مع وزارة الخارجية في اليوم التالي 14 يوليو الساعة العاشرة والنصف صباحا، ولكن هذا اللقاء تعطل بسبب الثورة.الأيام الأولى للثورةإن الأمن العام جيّد الآن وأعيد النظام بشكل تام، وانحسرت نظرة العداء للأجانب، ولو أن هذه النظرة مستمرة، فالحكومة لاتزال توجّه السب للاستعمار. ويمكن القول - وقد يكون أمرًا محيرًا- إنه بالرغم من عدم مرور وقت طويل منذ اندلاع الثورة، والاتجاه الدموي الفظيع الذي صاحبها أول الأمر، فإن حالة بغداد اليوم طبيعية بشكل غير عادي، هذه الجموع من الناس منقادة، ولبراءتها فإنها مرتابة، تضطرب عندما يُترك لها الحبل على الغارب، وعندما يتوتر تنضبط.26 تموزابتداء من يوم 26 يوليو ظهرت جريدة (العراق تايم) وأعيد فتح النادي البريطاني في منطقة العلوية: الجرائد مستمرة في دعوتها إلى معاملة الأجانب بشكل ودي، وتُبرز المعاملة الحسنة التي لاقوها من قبل العراقيين.الناس منتشرون في الشوارع، وتحضر مجموعات غفيرة لزيارة بيت رئيس الوزراء القتيل نوري السعيد، وبشكل أقل إلى (قصر الرحاب) الذي عاش فيه أفراد العائلة المالكة التي قضت نحبها أيضًا، ولاتزال تظهر على القصر بعض آثار الدخان نتيجة الحرائق، أو آثار بعض القذائف. وباستثناء بعض المناطق الممنوعة، فإن الجماهير تزور بقية الأماكن كي تطّلع على «ترف الظالمين»، أو «كيف كانت تصرف أموال الشعب»!إن ساعات منع التجوّل أخذت تتقلص، وأصبحت ما بين العاشرة ليلاً حتى الرابعة صباحًا، وبعد ذلك عاد ليبدأ من الساعة الثامنة ليلاً بشكل صارم، ثم أخيرًا أخذ يبدأ من الساعة التاسعة ليلاً.rn30 تموزفي يوم 30 يوليو، سُمع صوت انفجار شديد بعد الساعة الثالثة ظهرًا بقليل، ولوحظ بالقرب من السفارة الإسبانية عمود هائل من الدخان الأسود، كان يخرج من شعلة وصل لهيبها أحيانًا إلى ارتفاع ثلاثين مترًا، أنه انفجار خزان ضخم للنفط، كما أن الناس أخذوا يتحدثون فيما بينهم حول احتراق بيوت صغيرة وأكواخ يسكنها لاجئون فلسطينيون قرب السوق الرئيسية في المدينة هذا الصباح، وقد نسبت هذه الحرائق أو تلك اعتباطًا إلى «الإنكليز» أو «الأمريكان» أو «اليهود» الذين «ألقوا القنابل» على الحي القديم «وقد تم العثور على الديناميت». كل هذه التفسيرات لم تؤكد. وذكرت بعض الصحف أخيرًا الحدثين: الانفجار وحريق بعض المساكن، ولو أن حريق المساكن أخمد في الحال، وبقليل من الضحايا، لكن الكثير من العوائل حرمت من ملجئها البسيط. وبأمر من الحكومة تم استنفار الشعب كي لا يتكهن أحد بأي تكهنات، وأن تُرفض أي إشاعة حول أسباب هذين الحدثين اللذين لايزالان تحت التحقيق الرسمي الذي لم تُعلن نتائجه حتى الآن، ومن الممكن أن يكون الح
غارثيا غوميث شيخ المستشرقين الإسبان شاهدٌ على ثورة بغداد 1958
نشر في: 11 يوليو, 2010: 04:56 م