ترجمة:عدوية الهلالي
في ظروف غامضة، اختفت مخطوطة رواية (حرب) التي كتبها لويس فيرديناند سيلين، ثم عادت الى الظهور مؤخرا بطريقة غامضة أيضا لتعمل دار غاليمار الفرنسية للنشر على نشرها وتثير اهتمام نقاد الادب..
ويضم الكتاب حوالي 150 صفحة من الرسوم الإيضاحية والملاحق. كما خصص معرض غاليمارد أيضًا معرضًا بعنوان (سيلين)لهذه المخطوطات التي تم العثور عليها في منتصف عام 2022.
بقي هذا الكتاب، الذي ربما كتب في عام 1934، عشر سنوات في أرشيف الروائي، في شقته في حي مونمارتر. وفي حزيران عام 1944،وبعد أن شعر باقتراب خطر الحرب، غادر باريس في عجلة من أمره باتجاه ألمانيا، ولم تتح له الفرصة لأخذ مخطوطته غير المنشورة. ثم استولى مقاتلو المقاومة على 6000 صفحة وظل مصيرها مجهولًا لمدة ستين عامًا، حتى تم تسليمها للصحفي السابق، جان بيير تيبودات، الذي اتصل بالمستفيدين من اقتنائها وهم المحامي فرانسوا جيبولت وشخص آخر مقرب من زوجة سيلين،وهو فيرونيك روبرت شوفين،لكنهم لم يرغبوا في العمل معه. ولم يكن أمام جان بيير تيبودات أي خيار سوى تسليم المخطوطات إلى الشرطة، كما قال محاميه، إيمانويل بييرات، وهنا قررت دار غاليمارعلى الفور نشر هذه المخطوطات غير المنشورة بطريقة دقيقة للغاية.
وكتب المؤرخ باسكال فوش في «ملاحظة على الرواية المطبوعة» انه تم اعادة كتابة الرواية بعد فك الشفرات لأن سيلين كان يكتب بصيغة مختصرة، لكنه يشطب،ويعيد الكتابة بين السطور،وغالبًا ما تكون الإضافات الصغيرة صعبة للغاية بل من المستحيل قراءتها.. ولذلك فإن هنالك كلمات أو مقاطع معينة تم وضعها بين قوسين معقوفين.
وأضاف فوش: «إنه يكتب بسرعة كبيرة بالقلم ويترك فراغات، وهناك تكرارات، وأخطاء فادحة كان سيتم تصحيحها بالضرورة عند التدقيق اللغوي. ولاتوجد علامات ترقيم أو القليل جدًا.منها ولا توجد فقرات». مع ذلك،حملت الرواية في المضمون مادة دسمة للغاية، ومن المؤسف انه لم يتمكن من نشرها بنفسه..
لقد رحبت الصحافة بالحدث بحماس لاكتشاف نص عظيم بعد فقدانه لفترة طويلة، وقال عنه النقاد: «نص مقتضب مفعم بالحيوية ومأساوي ولذيذ، يضاف الى روائع الكاتب» كما وصفته صحيفة اللوموند بأنه معجزة.
وتبدأ رواية (حرب) بإستيقاظ العميد فرديناند، 20 عامًا، وعودته الى قيد الحياة بأعجوبة في ساحة المعركة في (بلجيكا)، ذات ليلة في عام 1915.ويروي الكاتب في الرواية كيف أنقذه جندي إنجليزي، ثم يصف فترة نقاهته على مقربة من الجبهة في هازيبروك، في فرنسا، وأخيراً رحيله على عجل إلى إنجلترا.. ويتوقع النقاد ان رواية (حرب) قد كُتبت في عام 1934، بعد وقت قصير من رواية سيلين الأولى، (رحلة الى نهاية الليل)التي صدرت عام (1932).
وفي عام 1937 نشر سيلين كتيبا بعنوان (ترهات من أجل مجزرة) وفيه يعبر عن معاداته للسامية، والتي لن يتوب عنها الكاتب أبدًا، وقد اعادت غاليمار نشر الكتيب في نهاية عام 2017، ولكن المشروع باء بالفشل بسبب تقاطع الآراء،والآن وبعد أن هدأ الجدل، فإن عودة ظهور رواية (حرب) تجعل من الممكن الاحتفال بعمل كبيرللأدب الفرنسي في القرن العشرين. ف»هذه المخطوطات تأتي في الوقت المناسب أو بمفاجأة إلهية، لتعيد لسيلين مجده» الذي ازدهر مابين عامي 1932و1936، «، حسب تقديرات فيليب روسين، الباحث المتخصص في سيلين وأعماله...
وعلى الرغم من كل الآراء المعارضة لأدبه، لكن الروائي،و سواء أحببنا اسلوبه ومبدأه في الكتابة أم لا، يحتل مكانًا متميزا في تاريخ الأدب، لأنه حطم الأدب البرجوازي، والسرد التقليدي والأسلوب، وابدع في ترجمة آلام الحرب..وفي معرض غاليمار، تم تأطير اوراق المخطوطة، بما في ذلك الجزء الأول من رواية (حرب)، والذي ينتهي بعبارة سيلين الخالدة: «لقد اشتعلت الحرب في رأسي.»..التي تدل على الوجود المستمر للموت، ورعب القتال بعد حرق المخطوطات الذي اثار غضب سيلين لفقدانه ثمرة عمله..
كان لويس فرديناند أوغست ديستوشيس (1894- 1961)، المعروف بالاسم المستعار لويس فرديناند سيلين روائيًا فرنسيًا وطبيبًا. فازت روايته الأولى رحلة إلى نهاية الليل (1932) بجائزة بريكس رينو لكن آراء النقاد انقسمت بين مؤيد ومعارض بسبب تصوير المؤلف المتشائم للحالة الإنسانية وأسلوب كتابته القائم على خطاب الطبقة العاملة. وفي الروايات اللاحقة مثل (الموت بالتقسيط) عام 1936،و(فرقة بيغنول) عام 1944و)من قلعة الى قلعة)عام 1957 امتازأسلوب سيلين الأدبي بابتكاره وتفرده. وقد قال عنه موريس نادو: “ما فعله جويس للغة الإنجليزية.و ما حاول السورياليون فعله للغة الفرنسية، أنجزه سيلين بسهولة وعلى نطاق واسع.”
ومنذ عام 1937 كتب سيلين سلسلة من الأعمال الجدلية المعادية للسامية دعا فيها إلى تحالف عسكري مع ألمانيا النازية. واستمر في تبني الآراء المعادية للسامية علنًا خلال الاحتلال الألماني لفرنسا، وبعد هبوط الحلفاء في نورماندي في عام 1944 فر إلى ألمانيا ثم الدنمارك حيث عاش في المنفى. وأدين عام 1951 بتهمة التعاون من قبل محكمة فرنسية، لكن محكمة عسكرية عفت عنه بعد فترة وجيزة. وعاد إلى فرنسا حيث استأنف حياته المهنية كطبيب ومؤلف. ويعتبر سيلين واحد من أعظم الروائيين الفرنسيين في القرن العشرين على نطاق واسع، لكنه لا يزال شخصية مثيرة للجدل في فرنسا بسبب معاداة السامية وأنشطتها خلال الحرب العالمية الثانية.