عدوية الهلالي
وقف أمام الممرضة متوسلا أن تمنحه موعدا قريبا للخضوع لجهاز الناظور ..قالت له ان أقرب موعد سيكون بعد ستة اشهر ، حاول ان يجد منفذا جديدا فقال لها :”اذن لاأريد موعدا حكوميا بل خاصا “ -اي مقابل مبلغ مالي – فقالت له ان اقرب موعد سيكون بعد شهرين ..”ماذا يعني ذلك ؟صرخ الرجل بحرقة :سأموت قبل ان يصل دوري .. تلف كبدي لايتحمل الانتظار ولاأملك المال الكافي للذهاب الى عيادة خاصة !
مايحدث معنا الآن هو الأمر ذاته الذي حدث مع الرجل فقد يفقد العديد من المواطنين حياتهم بسبب معاناة مماثلة سواء من المرض أو من الفقر أو حتى من القهر قبل ان يقدم لهم السياسيون حلا لهمومهم ، ذلك ان طبخات العملية السياسية ومنها طبخة تشكيل الحكومة تُطهى على نار هادئة وتحتاج الى وقت طويل لتنضج بينما لاتحتمل معاناة المواطنين كل هذا الانتظار ..
عقود مرت من الفشل والاحباط ولازال اغلبنا يحسنون الظن بزعمائهم ويلتفون حولهم أملا في الوصول الى انفراج لأزمات البلد ، لكن مايحدث ان الزعماء بدأوا منذ عام 2003 لعبة لاسبيل للتخلي عنها فكل منهم يكافح من أجل حصص ومكاسب ومصالح شخصية أو حزبية ولايهمه بقاء اتباعه على حالهم واستمرار معاناتهم فهو واثق من دعمهم له لأنه يجيد استخدام ادوات اللعبة من وعود براقة وهبات زهيدة امام مايملأ به جيوبه مع كل دورة انتخابية مستغلا عجز الناس ويأسهم وبحثهم عمن (يفتهم موضوعهم ..وعلى هذا الزمان يعينهم) كما تقول كلمات الاغنية الوطنية المؤلمة ..
عقود مرت ونحن بلا سكن ولاتعيينات ولاكهرباء ..ننام على امل حدوث (انفراج سياسي ) ونصحو على حدوث (اختناق سياسي ) وبين نومنا وصحونا نكتشف اختفاء وجوه خيرة وظهور وجوه جديدة خطرة لم نسمع من قبل بنضالها او حرصها على البلد لكنها احتلت الساحة بشطارتها وتملقها وولاءاتها ..وبالتدريج ، سنكتشف اننا لانملك في بلدنا اكثر من انتسابنا له وانه أصبح ملكا لمن يحاول تمزيقه او يمنح خيراته للآخرين او يستخدمه كوسيلة لأدعاء الوطنية ..سنكتشف ايضا ان ساسة البلد نجحوا في تدجيننا لنواصل رحلة الانتظار الطويلة بلا تذمر ، وحتى لوتذمرنا وصرخنا ضمن تظاهرات (ديمقراطية) سنكتشف اننا نصرخ في الفراغ وان اصداء اصواتنا تضيع هباءا ، لأننا لانصرخ بصوت واحد بل تتنوع صرخاتنا وتتلون مع تلون اهداف زعماءنا المتعددين ..وفي النهاية ، سنتخاذل من جديد ونسلم القيادة لأي رجل سواءا كان (رجل حل ) او ( رجل قانون) او (رجل اصلاح ) لمجرد أن ينتهي الاختناق السياسي فقط ، اما مطالبنا ومتاعبنا ، فقد أيقنا اننا ربما نموت قبل أن نراها تتحقق !