سعد محمد رحيميطرح كتاب الدكتور عبدالسلام المسدّي ( نحو وعي ثقافي جديد/ كتاب دبي الثقافية/ 2010 ) جملة مسائل ملحّة، شائكة، ومترابطة تخص الثقافة العربية ( مشكلاتها وممكناتها وآفاقها )، من الصعب تلخيصها في هذا المقام. مع التأكيد على ضرورة مناقشة جوانب هامة منها. وفي هذا يمكن الاتفاق مع كثـر من تلكم المسائل التي يناقشها، في مقابل الاعتراض على بعض أفكاره، والاختلاف معها.
في هذا الكتاب يؤسس المسدّي جهازه المفاهيمي الخاص في تشكيلة واضحة يعلمنا من خلالها بماهية هذا الوعي الثقافي الجديد الذي ينشده، ما محتواه وصيغه وشروط انبثاقه وانتشاره؟ وما هي القوى والمؤسسات المرشحة لتنميته؟ وكيف يمكن بلوغه في نهاية المطاف؟. وليس جديداً كل ما يقوله هنا لكن التوليفة التي ينجزها لحزمة الإشكاليات التي يعتقدها بمثابة التحديات للعقل والوجود العربيين، وتوقيت طرحه وطريقة طرحه يمثّل مثيراً ضاغطاً لوعينا. ولو كنا نمتلك مجالاً ثقافياً صحياً معافى لأثارت أفكار المسدّي حوارات خصبة وحفّزت لظهور أفكار خلاّقة أخرى. يومئ المسدّي منذ البدء إلى تلك العطالة التاريخية التي يعاني منها العرب. وهذه لها أعراض وتمظهرات لا تحصى، نقرأها على "شاشة السياسة، ولوحة الاقتصاد، والمشهد الفكري". وقد أخذت بالتفاقم بعد انتهاء مرحلة الاستعمار الكولونيالي، وتكوين دولة الاستقلال.. إنها حالة العرب المستعصية التي تحيّر العقل النقدي، "فهناك مأزق في صيرورتهم التاريخية، هناك حجم هائل من التناقضات بين العديد من مكوِّنات الوجود الجماعي لديهم" ص15... ويصل الداء إلى الكلام والخطاب، إلى الثقافة والفكر فيتجلى "المأزق بين بنية المفاهيم وتشكّلات السياق المتنزلة فيه" ص15، إلى أن يطول ( المأزق ) اللغة، يقول؛ "وإننا على يقين بأن انفصاماً حاداً يقوم اليوم في الواقع العربي الراهن بين حضور الوعي العام في السياسة والاقتصاد والمعرفة وغياب الوعي الخاص بالمسألة اللغوية، وأن هذا الانفصام إلى حد التصادم الضدّي لم تعرفه الشعوب الأخرى، ولا عرفه العرب أنفسهم في أية حقبة ماضية.." ص17. ما يشغل المسدّي في كتابه، مثلما نوهنا، هو الإشكالية الثقافية التي هي بحاجة إلى تحقيق إزاحة بجعلها أولوية في اهتمامات النخبة والمجتمع. وها هو يحذرنا من "أن العرب سيظلون على هامش التاريخ إن واصلوا النظر إلى المسألة الثقافية كما هم يفعلون" ص17. واجداً في الثقافة "جسر الضرورة بين الفكر والسياسة.. وأن الخطاب الثقافي ملتزم بطبعه، وأن إعلانه هو إعلان عن الانخراط في ميثاق الالتزام لكل ما يحرر الكائن من قيود التسلط أياً كان مأتاه" ص17. يبحث المسدي في علاقة المثقف والسلطة على خلفية علاقة الثقافي بالسياسي حيث تغدو حرية الرأي لحمتها، وبانعدامها "يكون الخاسر الأول هو المثقف. ولكن الخاسر الأكبر سيكون ـ بلا أدنى ريب ـ هو السياسي منذ حطم بيده عماد بيته". ص26. ومن وجهة ثانية يرصد المسدي الحاجة المتبادلة بين الثقافي ( مجسداً بالمثقف ) والسياسي ( مجسداً بالسلطة السياسية ).. يقول؛ "يقين قاطع أن احتياج الثقافي إلى السياسي هو احتياج ضرورة، واحتياج السياسي إلى الثقافي هو احتياج بقاء" ص27. والمحدد هنا هو وظيفة كل منهما ومسؤوليته إزاء الآخر. فالثقافي يلقي الأسئلة كي لا يخسر مبررات وجوده، والسياسي يقدّم الأجوبة كي لا يخسر مشروعية وجوده. يكاد المسدّي يقطع عليك طريق محاورته ومخالفته بإيراد عبارات من قبيل ( بلا أدنى ريب، يقين قاطع، ولا نكاد نشك برهة، الخ ) وهي ترد بصيغ متباينة، وبمعنى واحد في فصول كتابه كلها. ومن حقنا أن نتساءل؛ ألا تنتهي مثل هذه الوثوقية إلى الدوغما التي ينفر منها المسدّي نفسه، ويسعى لفضح مخاطرها على الوعي العربي. لاسيما حين يومئ إلى نسبية الموضوعية الفكرية والأوجه المختلفة للحقيقة؟. لنتجاوز هذه العبارات وظلالها الثقيلة، وندخل في خضمّ الحوار؛ شغلت إشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة الفكر العربي طوال العقود الأخيرة ولست أنكر أهمية البحث في صلب هذه الإشكالية غير أن القصور في هذه الأطروحة يتجلى؛ في اختزال السلطة بالسلطة السياسية الحاكمة وحدها في الوقت الذي تشكل فيه سلطات أخرى ( اجتماعية ودينية ) عوائق أكبر في حالات عديدة. فغالباً ما تُحشر، عند كثر من المثقفين العرب في دراساتهم وابحاثهم، إشكالية العلاقة بين المثقف والسلطات الاجتماعية والدينية في الهامش. ألا تغازل السلطة السياسية، اليوم لمقتضيات مصلحية ضيقة، السلطة المؤسساتية الدينية، وتساير معتقدات اجتماعية متخلفة على حساب التأسيس لفكر نهضوي حقيقي؟. ألم يخلق المجتمع نفسه، نتيجة ظروف تاريخية قاهرة مصدّاته الخاصة التي تحول دون تواصله مع وعي ثقافي جديد، وفكر نهضوي جديد، حيث حصل تهرؤ في بنية الطبقة الوسطى القائدة والمرشحة للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فضلاً عن تسيد ثقافة الموت والآخرة مع صعود الإسلام السياسي الأصولي المتطرف. إلى جانب الدور السيئ لكثر من قنوات الإعلام التي تشيع ثقافة سطحية أو غيبية، من غير أن ننسى، بطبيعة ال
أفق النهضة وأسئلة الثقافة
نشر في: 11 يوليو, 2010: 09:44 م