د. محمد عبد صالح حسنتعد ظاهرة الفساد وانعكساتها السلبية واحدة من أهم المشاكل التي يعاني منها العراق بعد التغير السياسي عام 2003 لأسباب تتعلق بانعدام سلطة القانون وتدني مستويات الرقابة في المؤسسات الحكومية
ووجود الحماية الضمنية داخل المؤسسات للمفسدين في الهرم الوظيفي وقد ترتب على هذا الحال ظهور آثار سلبية في الجانب الاقتصادي تمثلت بتعزيز مشكلة التضخم والبطالة وحجم المديونية الخارجية ... ، وبطبيعة الحال فأن الآثار الاقتصادية قد ولدت آثاراً اجتماعية انعكست من خلال تدني مستوى القطاع التعليمي والصحي وكذلك توسيع حجم التفاوت بين دخول فئات المجتمع وتزايد حالات الفقر وتأثيراته على معدلات الجريمة والسرقة والاحتيال. rnأولاً ـ مفهوم الفساد والفساد البيروقراطي:إن اتساع حجم الفساد وتشابك حلقاته وترابط آلياته بدرجة لم يسبق لها مثيل، أصبح من المسائل التي تهدد مسيرة التنمية وخصوصاً في مجتمعاتنا العربية فالوقائع التي باتت تكشف قضايا الفساد المالي والاداري خلال السنوات الأخيرة تدل على مدى تغلغل الفساد وممارساته في كافة نواحي ومجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والادارية ، وبهذا الخصوص فأن مفهوم الفساد يختلف تبعاً للتطور الحاصل في المجالات المذكورة فالبنك الدولي يعرف مشكلة الفساد (( بأنه إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص ، وبتعبير آخر قيام الموظف بقبول رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة أو من خلال استغلال الوظيفة العامة دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الاقارب أو سرقة أموال الدولة مباشرة.وهذا التعريف يشير إلى آليتين رئيسيتين من آليات الفساد ، تتعلق الأولى بدفع الرشوة أو العمولة لتسهيل الأمور لرجال الأعمال والشركات ، والثانية بوضع اليد على المال العام والحصول على مواقع وظيفية للابناء والاقارب في أجهزة الدولة ، ويندرج هذا النوع من الفساد ضمن حلقات الفساد الصغير الذي يختلف عن مستويات الفساد الكبير المرتبط بالصفقات الكبرى في عالم المقاولات وتجارة الأسلحة الذي يحدث بالغالب على المستوى السياسي.وفي نفس السياق يندرج مفهوم الفساد وفقاً لرؤية ( ليف Nathaniel Leff ) (( بأنه تقليد غير قانوني يستخدم من قبل الأفراد والجماعات للتأثير على النشاطات البيروقراطية ، ويتجسد الفساد الإداري عن طريق ظهور مؤشرات تدل على أن هذه الجماعات تسهم في عملية اتخاذ القرارات بشكل أكبر مما يجب أن تكون عليه الحالة الطبيعية )) وبالاتجاه نفسه تشغل مشكلة الفساد الكثير من المعنيين بدراسات الدول النامية لاسيما ( روبرت تلمان ) وكذلك ( والت برايانت ) .حين ربطا ضمن دراساتهم المتعددة الفساد بطبيعة البناء البيروقراطي الحديث الذي تؤكد عليه مختلف الحكومات والمنتشر على كافة الصعد السياسية والصناعية ... الخ ، حين ذهب( تلمان ) إلى أن الفساد يأخذ موقعه عندما توفر الحكومة ضمن النسق البيروقراطي الحديث الأرضية لاستشرائه ، حيث أن ذلك النسق غالباً ما يعاني من ازدواجية الشخصية الإدارية التي ما زالت متمسكة بالمعايير التقليدية في الإدارة في ظروف التنظيم الإداري الحديث ، وهي بذلك نجدها تميل للدخول في عمليات غير معتمدة ( مثل الرشا ، وتقريب الأقارب واحلالهم محل المؤهلين في الإدارات الحكومية ) وبإطار من السرية التامة . لاسيما في الإدارات التي تقدم فيها الخدمة للمراجع بسرعة أكثر وكفاية أكبر بواسطة البيروقراطي(الإداري ) الذي يمكن استمالته بسهولة لتقديم خدمة اضافية للمراجع وقد تكون أشكال وسبل الاستمالة المذكورة تنطوي على مجالات عدة منها عبر العلاقات الشخصية والتقرب إليها، ومنها محاولة التلويح بالمال بصوره المتعددة ( العينية ، المعنوية ، المالية). هذا فضلاً عن أثر التعقيدات البيروقراطية على مصالح الجماهير والمؤسسات التي تتعامل مع تلك الادارات التي يتفشى الفساد في ثناياها . طالما كان اللجوء إلى القوانين واللوائح ليس حياً في أعمال القانون وتحقيق المساواة . وإنما لممارسة الإداري الضغوط على المراجع من أجل إجبار الأخير على تقديم الرشاوي ، ودفعه لاتباع العديد من الأساليب الملتوية من أجل انجاز حاجاته التي من المفترض أن يحصل عليها بموجب حكم القانون . وفي ذلك يؤكد ( تلمان ) بأن كافة صور الفساد ومنها الرشوة تنتشر بشكل واضح في الإدارات التي تؤكد على سلطة البيروقراطي . وهي ذات الرؤية التي ذهب إليها ( براييانت ) حول الفساد البيروقراطي إذ أشار إلى أن الفساد موجود بكافة صوره في جميع أشكال النسق البيروقراطي وعلى مدى فترات تطور البيروقراطية . وهو التفسير الذي ينطبق بشكل واقعي مع حالة الدول النامية التي تتصاعد فيها وتائر الانساق البيروقراطية الرثة ، وحجب المواطن عن المسؤول . rnثانياً ـ مظاهر الفساد البيروقراطي وآلياته:نظراً لتزايد حالات الفساد فأن أشكاله ومظاهره تنوعت وتزايدت ، ولعل أهم هذه المظاهر ( الأشكال ) تتعلق بالآتي : ـ ـ استغلال المنصب العام :يلجأ الكثير من المسؤولين الذين يتمتعون بمناصب في أجهزة الدولة إلى استغلالها من أجل تحقيق مكاسب
الآثار الاقتصادية للفساد فـي العراق بعد عام 2003
نشر في: 12 يوليو, 2010: 06:12 م