TOP

جريدة المدى > عام > عـبـد الـوهـاب الـدايـنـي: الفن ليس مهنة إنما هواية عظيمة.. وعندما تعتاش من خلاله يصبح بيعا وشراء

عـبـد الـوهـاب الـدايـنـي: الفن ليس مهنة إنما هواية عظيمة.. وعندما تعتاش من خلاله يصبح بيعا وشراء

نشر في: 22 أغسطس, 2022: 10:28 م

يرى ضرورة عودة الفرق المسرحية التي كانت قائمة سابقا لإنعاش وضع المسرح العراقي

حاوره: علاء المفرجي

القسم 2

الفنان عبد الوهاب الدايني ولد في مدينة المحمودية جنوبي بغداد، وترعرع فيها مع شباب كانوا يحملون أفكارا سياسية، وان أغلب لقاءاتهم كانت تدور في مقهى تكثر فيه الحوارات السياسية حول اليمين واليسار.
لمع أسمه في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي في معهد الفنون الجميلة, واستطاع هذا الفنان ان يؤكد حضوره الفني في الساحة الفنية الا ان ظروف اعتقاله في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي أثرت على إبداعه ، حيث تعذب فيها وشهد من الممارسات القمعية الكثير، والتي تركت اثارها عليه، هذا الفنان الذي قال مرة أنه لم يكن يملك اكثر من خمس سنوات امضاها في دراسته في العراق وفي الخارج , ولهذا هو يقيس عمره وسنين حياته بهذه الخمس سنوات .

ويعد الدايني من اشهر الكتاب في العراق، وهو من جيل قاسم محمد وعبدالله جواد وسعدون العبيدي، عمل في الاخراج المسرحي، فكان فاعلاً ومؤثراً في مرحلة أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات من القرن الماضي، وما زال جمهور المسرح في بغداد يتذكر مهارته الفنية في إخراج المسرحية على منصات (المسرح القومي) ، و(مسرح بغداد) ، و(المركز الثقافي السوفيتي) ، و(مسرح الخيمة) الذي قد فيه مسرحية (الحفارة) ، بالإضافة الى كتاباته الكثيرة للتلفزيون والسينما في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، هذا إضافة الى كونه كونه نجماً تمثيلياً وسيماً في التلفزيون والسينما، منذ اطلالته الاولى في فيلم (عروس الفرات) أواخر العقد الخمسيني المنصرم.

والدايني معد ومؤلف وسيناريست ومخرج سينمائي ومسرحي , يملك الكثير من خزين الابداع،, انه فنان بزغ نجمه بعد جيل الرواد من رواد حركتنا ومسيرتنا الفنية في العراق , درس المسرح في معهد الفنون الجميلة , ثم سافر الى ايطاليا ليحقق احلامه في الاكتساب الثقافي في معهد السينما التجريبي في روما – ايطاليا , وحصل على شهادة الدبلوم العالي في قسم السينما هناك .

كان مع زملائه اروقة معهد الفنون الجميلة اواسط الخمسينيات، ومع اصدقائه خالد سعيد وفاضل قزاز وفاضل خليل والعديد من الاسماء التي اصبح لها شانا في مسيرة الفن العراقي , فهو يمتلك من المقومات الثقافية اكتسبها من اساتذة الدراما والذين شهدت لهم الساحة الفنية في العراق ما يعجز المرء عن وصفهم .

 ارى أن المسرح كان معقلك الاهم، منذ مشاركتكم في تأسيس فرقة اتحاد الفنانين لتشاركوا من خلالها بأعمال ونتاجات مسرحية مازالت تعيش في ذاكرة الجماهير المسرحية منها : طنطل والتي اخرجها الفنان المخرج محسن العزاوي، حيث كان هذا العمل باكورة اعماله المسرحية في الاخراج المسرحي , وانتم كانت باكورة اعمالكم في الاخراج المسرحي هو مسرحية البيت الجديد , ثم العطش والقضية , وبعدها بهلوان اخر الزمان , ثم الحفارة والتي اعدت عن مسرحية للكاتب الروسي الكسي ارموزف.. ما السبب الذي جعلك بعيدا عنه؟

- اعود الى جواب سؤالك السابق.. وأكمل.. ذهبت مباشرة الى متوسطة المأمون مُرغما.. تعرفت هناك على الاستاذ الناقد المعروف فاضل ثامر، والاستاذ الشاعر ياسين طه حافظ.. وعندما دق جرس بدء الدروس ذهب المدرسون كلٌ الى صفه، وانا بقيت جالساً وحدي، وبمفردي ألعن اليوم الذي قررت فيه العودة الى الوطن، وتركت مستقبلا كان مفتوحا على مصراعيه امامي.. مضى على وضعي هذا اكثر من شهر، الجرس يرن والمدرسون يذهبون كل الى صفه.. هنا بدأت عيون المدرسين تتساءل من دون ان تجيب: مدرس يجلس دون صف، ما معنى ذلك؟، ومن يكون هذا سوى أحد أعين السلطة؟ هكذا قرأت في اعينهم التساؤلات.. مما اضطرني أن افاتح المدير ان كان بالامكان بناء مسرحا في المتوسطة هذه وتقديم مسرحية او أثنين سنويا.. وافق المدير.. اذ توجهت الى المسرح رغم حبي له ومقدرتي الإبداعية في الإخراج، مرغما، لكن هذا لا يعني انه السبب الوحيد، فزملائي في اتحاد الفنانين طلبوا مني ان أمثل في مسرحية من تأليف طه سالم واخراج خالد سعيد، كانت المسرحية اسمها (ورد جهنمي) ونجحت باعتراف النقاد والفنانين انذاك.. بعدها بدأت بإخراج المسرحية التي اوردتها في سؤالك.. اما كيف ابتعدت عن المسرح فهناك عدة أسباب اولها الهجمة الظاملة ضد الفنانين الشيوعيين وغير الشيوعيين من قبل النظام السابق، فهرب منهم من هرب، والثاني تصدع فرقة اتحاد الفنانين وبقية الفرق الاخرى، ولم تبق أمامي سوى الفرقة الحكومية.. حيث رحبوا بي كثيرا وتمنوا أن أخرج لهم مسرحية شرط ان أنتمي الى حزب البعث.. رفضت العرض.. وبقيت عاطلاً من السينما والمسرح ... إلى أن عينت مدرسا في معهد الفنون الجميلة لا حبا بي انما حاجتهم القصوى الى مدرس عنده تخصص سينمائي، ليس هذا حسب انما طلاب السينما قدموا طلبا الى الوزير بهذا الخصوص.. فأنا اذاً لم ابتعد عن المسرح، اما الظروف السياسية آنذاك فهي التي أبعدتني وكذلك أنانية وانتهازية البعض من الزملاء الفانيين.

 الاعتقال، اعني اعتقالك في نهاية الثمانينات على ما اعتقد، كان سببا أساس في ابتعادكم عن الفن، وبالتالي ايقاف مسرتكم الفنية الصاعدة.. هل تحدثنا عن هذه التجربة المريرة؟

- نعم قضيت في الأمن العامة زمن النظام السابق سيئة الصيت وعذبت بشكل غير انساني لمدة أربعة أشهر تقريبا، الى أن صدر حكما بالإعدام عليّ في محكمة الثورة التي كان قاضيها الجلاد عواد البندر وكانت درجة حرارتي قد وصلت الى الاربعين حيث ما عدت استطيع الوقوف في قفص الاتهام كنت أتلفت حولي، ولم اسمع إلا صوتا يأتي من بعيد يقول بالإعدام شنقا حتى الموت تلفت افتش عن هذا الشخص الذي صدر الحكم بحقه بالموت، حتى سمعت القاضي يقول: الحكم صدر بحقك أنت لا أحد غيرك في هذا القفص.. لا اريد ان أروي حالة فنان مسجون في سجن (الخاصة) في أبي غريب بتهم كيدية لا أحد يُصدقها، ربما حتى الجلاد عواد البندر نفسه مثلا: اني أتستر على جنود هاربين من الحرب في بيتي!.. المهم خفض الحكم الى المؤبد وخرجت لكن زملائي بعضهم ابتعدوا عني خوفا كأني مصاب بجذام الا بعضا من اصدقائي وقفوا الى جانبي وساعدوني..

لم تقف سيرتي الفنية التي كانت صاعدة انما الاصح اوقفوها بالرغم عني.. لكني توجهت نحو الكتابة .. كتابة السيناريو بالكامل دون اخراج مسرحي او سينمائي او حتى تمثيل.. لكن لا اخفيك ان وضعي النفسي ايضا كان سببا في ايقاف مسيرتي لان السجن كانت اصعب مما يتصور البعض في ذات الوقت عليك ان تكون متماسكا محافظا على مبادئك الفكرية والفنية علما ان السجناء كان بعضهم صديق ساهم في مساعدتي على تحمل حياة السجن.

 واخيرا ما الذي تراه في الدراما العراقية الان وتحديدا في المسرح والسينما والتلفزيون.

- سؤال لطالما طرحته على نفسي: هل الفن واقصد هنا المسرح، السينما والتلفزيون؟ هل الحكام يخافون منه او يخشونه؟ ام هذا الفن يخاف الانظمة ويخشاها؟ او لاقل الفنانين الذين يعملون في هذه الحقول يخافون الانظمة ويخشون سطوتها.؟!!!

لو عدنا الى القرن الماضي وبالتحديد بعد منتصفه، لوجدنا أن هناك مشروع مسرح كان يتقاطع مع السلطة القائمة بقوة، مما يجعلها تنتقم من القائمين عليه وتمنعهم مثلما تمنع الاحزاب الوطنية من الظهور، لا بل حكم على بعضهم بالسجن او بقطع ارزاقهم وذلك بفصلهم عن الوظيفة.

اما في السينما فكان الأمر يختلف اذا أن الافلام التي انتجت في تلك المرحلة لا علاقة لها بالسياسة، مجرد موضوعات بسيطة يتمتع بها المشاهد. يخرج من الفيلم دون ان يجعله يفكر بالشيء الذي رآه لأن الذي رآه لا شيء فيه قابل للتفكير، اما التلفزيون هنا اتحدث عن فترة الستينات والسبعينات ساعود لها بعد ذلك.

في نفس هذه الفترة نشط المسرح وتعددت الفرق المسرحية وبدأ التنافس الشريف فيما بينها وظهر كتاب أصبح لهم صوت مفهوم من خلال تقديم مسرحياتهم السياسية والمتعلقة بالقضايا الاجتماعية.. وعندما بدأ النظام باعتقال او تصفية بعض الفنانين لم يتوقف عطاء المسرح الا عندما بدأ الفنانون الاخرون والملتزمون فكريا مغادرة العراق، هناك بدأ جيدا المسرح بتضاؤل، ان لم أقل يتقازم وبدأ التنافس بين فرقتين، فرقة المسرح الوطني الحديث والفرقة القومية للتمثيل، اما بقية الفرق فقد أُغلقت أبوابها وتشتت اعضاؤها..

الفرقة الوحيدة العاملة الأن في المسرح العراقي هي فرقة الدولة.. وبعض الفرق غير المعروفة تقدم أعمالا تجارية، في هذه المرحلة يقع على عاتق الاولى مهمة صعبة خصوصا وان الكتاب المسرحيون الجادون توفاهم الله، والبديل هو الإعداد من قبل بعض العاملين في الفرقة وهذا في تصوري المتواضع غير كافي..

ان وضعا كهذا لا يبشر بالخير وأعتقد ان لم تظهر الفرق المسرحية التي كانت قائمة انذاك للعمل والتنافس فيما بينها، عندها سيظهر المخرج الجيد والمؤلف الجيد وكذلك الممثلون الجيدون.. آمل ان يحصل ذلك.

اما السينما فتوجد محاولات شبابية ومهرجانات تقام في أغلب المحافظات فهذه محاولة وان كانت جيدة ومباركة لكنها لا تصنع سينما.. السينما قضية اخرى صناعة كبرى فنان كبير ومنتج مقتدر ماديا، وفاهم أن عمله هذا وليس الربح فقط إنما العمل على خلق فيلم يرضي الجمهور والنقاد الخ..

وبعد الاحتلال بدأت الفضائيات تظهر امام المشاهدين الذين اعتادوا أن يشاهدوا الأعمال الدرامية من شاشة تلفزيون واحدة هي مشاهدة العراقية وكانت حقا شاشة قد قدمت اعمالا درامية رائعة وجميلة لا زال الجمهور يتذكرها ويتعاطف معها..

اعود لكثرة الفضائيات واستبشرها، نحن الفنانين بأن الدراما العرقية ستتواصل عطاءها أكثر لكن المشاهد قد صُدم قبل الفنان، بضحالة وسذاجة ما تقدمه، لكني لا أزعم ان الفضائيات جميعها إنتهجت نفس هذا النهج، كلا لقد قدم بعضها اعمالا جيدة خصوصا عندما هاجر المحفل المخرج والكاتب الى سورية الذي تحولت الى مكان لإنتاج الأعمال التلفزيونية وهنا دخل المنتج المنفذ الذي اساء كثيرا للعمل الدرامي التلفزيوني بتداخله بشؤون الإخراج.. والتقتير بالصرف على المنتج وبذلك أضحت الدراما العراقية مقادة من قبل هؤلاء، اقصد من قبل المنتج والمنفذ.

الان عاد المخرج وعاد الكاتب الى العراق لكن الإنتاج بقى كما هو.. الغريب في الأمر ان تلفزيون العراق تحول الى فضائية عراقية حكومية، يتحكم بها من ليس له دراية بالعمل الفني وبالتالي أصبح الخلف سيئ لذلك السلف السيء، ليس هذا فقط بل انها توقفت عن الانتاج وبدأت المبالغ المخصصة للانتاج تذهب الى فريق آخر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram