اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > قراءة فـي كتاب "نحـو وعي ثقافـي جديـد"..أفق النهضة وأسئلة الثقافة

قراءة فـي كتاب "نحـو وعي ثقافـي جديـد"..أفق النهضة وأسئلة الثقافة

نشر في: 12 يوليو, 2010: 06:16 م

(2 ـ 3)سعد محمد رحيميشير المسدّي إلى تلك الصورة المأساوية القاتمة حيث يوزّع المثقفون، في ظل الأنظمة الإطلاقية الشمولية، على وفق التصنيف الآتي؛ مثقف السلطة ومثقف السجن ومثقف المنفى. ولا غير ذلك.. يقول؛ "والمتشائمون القاتمون يخشون على الوطن العربي أن يؤول به الأمر إلى هذه الثلاثية التراجيدية" ص45. وهو إذ يصنّف المثقفين، في السياق الذي يتناوله، بدقة يحثنا على التساؤل؛
 أليس هذا هو حال المثقفين في أغلب البلدان العربية؟ لماذا نكون متشائمين إذا أقررنا هذا الواقع؟ أهو تشاؤم موهوم أم تأكيد على حقيقة قائمة في ظل أنظمة إطلاقية، تسلطية وغير شرعية، عربية كثيرة؟ وفي توصيفه للأنظمة الإطلاقية يلوذ المسدّي بالمجاز، ربما تقية، فهو يصفها هكذا؛ "تلك التي جاءت إطلاقيتها من باطن المادة في الأرض أو من أبخرة جوف السماء" ص45. إلى جانب أولئك، ثمة المثقف المتواطئ والممالئ، وثمة المثقف الساكت، وثمة المثقف الانتهازي؛ أي المثقف المتلون الذي يغيّر جلده مع تغير المزاج العام وتبدل المواسم السياسية، ولا نكون مغالين أو ظالمين إذا ما قلنا أن النخب الثقافية العربية ليست بمنجى من الأمراض الاجتماعية المتولِّدة عن الظروف التاريخية السيئة، وهي تحمل تشوهاتها الخاصة وعوامل قصورها وأعراض ضعفها.مثّل طه حسين لحظة جد حاسمة في مسار فكر النهضة العربية، وكان تأثيره عميقاً في مجايليه ومن جاؤا من بعده. واستطاع أن يؤسس لتقاليد حوار مثمر على الصعيد الثقافي والإعلامي والأكاديمي. كان جريئاً، ولمّاحاً في تشخيصه لأزماتنا الفكرية والوجودية والحضارية. وله وجهات نظر ورؤى ثاقبة في شؤون شتى بدءاً من وضع برامج واستراتيجيات للتعليم ومستقبل الثقافة وحتى ما يخص النظام الديمقراطي وبناء الدولة، مروراً بإعادة قراءة التراث العربي الإسلامي في ضوء المناهج العلمية الحديثة. وما زالت لتلك الرؤى والأفكار أصداءها في فضائنا الفكري والمعرفي حتى هذه الساعة. وستبقى لعقود طويلة قادمة، طالما أن الحالة التي انتقدها طه حسين لم تتغير، بل أخذت منحى أكثر سوءاً وخطورة. وعبد السلام المسدّي يتخذ من هذا الرجل العبقري نموذجاً للمفكر الذي نفتقده في راهننا العصيب.. يقول، آسفاً على ما آل إليه وضع المثقف العربي؛ "إن المثقف العربي لم يعد له الآن ما كان عند طه حسين، وعند جيل طه حسين، من شجاعة على الرأي، ومن جرأة على الكتابة، ومن إقدام على المجاهرة وعلى الإصداح" ص27.أظن أن مشكلة الثقافة العربية المعاصرة ليست في انحسار مساحة الجرأة في طرح المسائل الأساسية، وإنما في تلك الهوّة القائمة اليوم بين الشريحة المثقفة وإنتاجها الثقافي من جهة والمجتمع من جهة أخرى.. لقد أصاب العطب حلقات الاتصال والتواصل بين الاثنين. أو أن ثمة خللاً يعاني منه الفضاء التداولي للأفكار. ليس لدينا نقص في الأفكار. وعشرات المفكرين يشتغلون اليوم بمناهج نقدية متقدمة ويتحرشون بمساحات واسعة من المسكوت عنه، والممنوع التفكير فيه. لكن الخلل في مكان آخر؛ في منظومة العلاقة بين الفكر والمجتمع، وفي غياب المؤسسات الحاضنة مثل الجامعات وغلبة منطق الربح على غايات كثر من دور النشر وقنوات الإعلام التي لم تعد تتحمل مسؤوليتها التنويرية.. يكفي أن نستعرض بعض أسماء أولئك المفكرين الذين جاؤا بعد طه حسين؛ ( محمد عابد الجابري، نصر حامد أبو زيد، السيد محمود القمني، إدوارد سعيد، محمد أركون، حسين مروة، صادق جلال العظم، فالح عبد الجبار، جورج طرابيشي، محمود أمين العالم، عبد السلام المسدّي، سيّار الجميل، عبد الله إبراهيم، عبد الله الغذامي، وآخرون ) وكل واحد من هؤلاء كانت له إضافاته وفتوحاته في القضايا الفكرية العربية الملحّة. والتي لم تثر حراكاً في محيط تداولها كما يقتضي مشروع النهضة.  وهذه الحقيقة لم يغفل عنها المسدّي، وها هو يلتقط بذكاء جانباً مهماً من علّة المسألة؛   "انحسرت ــ بفعل الانشقاق العميق الحاصل بين المنظومات الإجرائية والمنظومات الرمزية في المجتمع الإنساني الجديد ــ سلطة المثقف حتى لتكاد تتبدل وظيفته جوهرياً. لم يعد بوسع المثقف أن يصنع الحدث في مجالات الحياة العامة على حد ما كان يُصنع من قبل. لم يعد يتسنى أن يصدح المثقف بقولة تغيّر مجاري الأحداث وترسم معالم الطريق كالذي فعله طه حسين.. " ص69.   نتحدث عن ثقافة جديدة، وعن فكر ووعي جديدين، لكننا نغفل عن ذلك التحالف غير المقدس وغير المكتوب بين الفئات الحاكمة وبعض المؤسسات الدينية وبعض وسائل الإعلام المأجورة وقسم من النخب الثقافية ذاتها والتي تحول دون توفر الشروط اللازمة لوصول هذه الثقافة وذلك الفكر إلى عقل المجتمع. وفي عبارة مجازية بليغة يلخص المسدّي مأزق الإبداع العربي من هذه الزاوية؛ "مؤسسة القرار ومؤسسة الغيب في كثير من ربوعنا العربية حليفتان إستراتيجيتان على مؤسسة الخيال".   ليس الجهر بالأفكار هو الذي يحسم الصراع في نهاية المطاف وإنما وجود قوى اجتماعية ونخب فاعلة ومؤسسات تتبنى هذه الأفكار وتروّج لها وتجعلها في صلب رؤيتها وبرنامجها وجزءاً من حركة الواقع الاجتماعي والسياسي، أو محركاّ في الصراع الاجتماعي والسياسي. والسؤال الذي يفرض نفسه في سياقنا هذا؛ ما هي التشكيلة الاجتما

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram