TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: عن الخراب الذي نحن فيه

قناطر: عن الخراب الذي نحن فيه

نشر في: 23 أغسطس, 2022: 11:11 م

 طالب عبد العزيز

في الوقت الذي تشتد فيه ازمة الماء في البصرة، ويزداد تضور الناس، وإحراج الحكومة، نتيجة استمراراندلاع لسان الملح طويلاً، في شط العرب، كشفت اعمال التوسعة، في شارع الوفود عن قيام أحد المسؤولين النافذين-لم تكشف عن اسمه- بإحداث هدم في انبوب المياه الواصل الى محطة تصفية البراضعية، وانشاء بحيرة كبيرة للاسماك.

قد تبدو الحادثة هذه تقليدية في الزمان العراقي هذا، فهناك آلاف الاعمال التي تضر بمصلحة البلاد، ومثلها ما يتسبب بموتنا واعاقتنا ووو لكنَّ الغريب في الموضوع هو تثبيته في واجهة البحيرة والمزرعة ليافطة بآية قرآنية(ولولا اذْ دخلتَ جنتكَ قلتَ ما شاء اللهُ لا قوة الا بالله).

جنته مقابل الجحيم الذي نعيشه. هكذا، تستلب حقوق الناس، وهكذا يتم استغفال الزائرين للبحيرة، والرجل بالتاكيد سيكون كريماً معهم، فهو يمسك بالشبكة، ويستخرج السمكة الكبيرة منها ويقدمها هدية لهذا المسؤول أو ذاك، فهم كلهم شركاء في الجريمة. هذه البلاد تسرق جهارا نهاراً. بالامس كنتُ اتحدث مع سائق سيارة الاجرة التي اقلتني الى البيت، فأسمعني واحدة من القصص التي نسمعها ونقرأها كل يوم، فهو يروي لي بأنه كان عاملاً في مكتب للاستنساخ، قرب إحدى الدوائر، وجاءه أحد المراجعين، في وقت متأخر، وطلب منه استنساخ اوراق له، فقال بأن الدوام انتهى، لكنه الح ودار حديث بينهما، فقال الرجل بانَّ الدائرة هذه بكبار وصغار موظفيها مثل الخاتم اصبعي.

وسواء أكانت الحكاية هذه واقعة ام لا فأنها واقعة، في مكان آخر بكل تاكيد. وخذ ما شئت من المؤسسات في الدولة فستطلع على ما شاء الله من المصائب والعجائب. تنشغل المواقع بحادثة وقوف المتظاهرين أمام مبنى المحكمة الاتحادية ومؤسسات القضاء، ويزداد حديث مطالبة المتظاهرين بحل القضاء، ترى لماذا القضاء؟ ألانه متهم بعدم حسم محاسبة الفاسدين والقتلة؟ أم لأنَّ عشرات الاسباب كافيه لحله؟ هناك من يقول متهكما ساخراً هل هذه اسباب كافية للتظاهر؟ في الحقيقة أنَّ المشكلة في عدم التظاهر، المشكلة في الصمت الطويل،وفي الخوف وفي الرعب من البنادق التي لا يعرف الشعب من اين؟ ثم أننا وبكل صراحة شعب غير كاف للتظاهر، لأننا لو فرقنا الشعب للتظاهر أمام كل المؤسسات والدوائر التي ظلمتنا وخربت علينا حياتنا لاحتجنا الى شعوب اخرى تتضامن وتتظاهر معنا.

السؤال الافضل هو هل هناك مؤسسة حكومية لا تستحق التظاهر امامها؟ بل وهل هناك مسؤول عراقي لا يستحق الوقوف أمام القضاء لينال جزاءه؟ تنشر صفحات البصريين مقطع فيديو تظهر فيه جرافة تقوم بردم بحيرة المسؤول، وتسوّي الارض، وسط تهليل وتكبير العمال. ستمر الايام كما مرت من قبل 20 سنة، وسيظهر الرجل في موقع المسؤولية ثانية، يتحدث عن الخير والشر، وسيأتي بآية أخرى كالتي تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) فهذا القرأن كتاب يصلح لكل الازمان والأفعال. أليس كذلك؟

بعد ثلاثة اشهر من انصباب الماء المالح في بيتنا، وعجزنا عن ايصال كلمة لدائرة الماء بوجوب النظر الى حالنا، جاءتي زوجتي فرحة، لأن انبوب الماء في الحنفية تقطر بقطرات ماء حلو، فتعجلنا بتشغيل المضخة، وإملاء التانكي، لكنَّ الماء لم يستمر طويلا، ليعاود بعده الماء المالح. هناك وحش حقير ضمير تلبس المسؤول العراقي، صار جزءاً من لحمه ودمه فهو ينهش لحمنا ويشرب دمنا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram