صباحا وفي الطريق الى الدائرة التي يعمل فيها ابو محمد، انطلقت به كعادتها بعد ان امتلأت بالركاب، سيارة الكيا. كان الجالس جواره، صبيا في مقتبل العمر، ربما لم يكن قد تجاوز الثانية عشرة، باعلى تقدير. فكر ابو محمد ان الصبي قد يكون انهى امتحاناته المدرسية للتو، وهو ذاهب الى العمل للمساعدة في اعالة عائلته الفقيرة، كما هو شأن اغلب ابناء الطبقات الفقيرة من ابناء جلدته..
بعد دقائق سمع ابو محمد الصبي يخاطب احدهم قائلا:( رياض جبت الجيس مال الحلويات وياك؟) وجاء الجواب من اخر :(بلي جبته). التفت ابو محمد مستطلعا، فإذا برياض، الذي يقبع في المقعد الخلفي، صبي اصغر من الاول بخمس سنوات في الاقل، يحتضن كيسا كبيرا منتفخا يكاد يرتفع فوق ذقنه..تملك صاحبنا الفضول وتساءل في دواخله: هل يعقل ان يعمل هذان الصبيان وهما في عمر الزهور ؟.. ثم مالبث ان التفت الى جيرانه، مشيرا الى الكارتون الذي يحاذي قدمي الصبي متسائلا: (بيه جكاير) ؟ اجاب الصبي: نعم عمي. فطلب منه ابو محمد علبة سجائر (بن)، فناوله الصبي طلبه، بخفة ملفتة بعد ان قبض الثمن..عاد ابو محمد ليسأله: (لازم خلصتو امتحانات؟).. اجابه الصبي بعد فترة صمت: (احنه مو بالمدرسة..).. راح ابو محمد مستغرقا في صمت يحمل الكثير من الاسئلة، تذكر طفولته، وكيف كان يظنها بائسة، وأخذ يقارن حالها بما يراه اللحظة، فيما راحت ملامح وجهه تفيض بسؤال ضخم شديد الايلام، سؤال بحجم الكارثة ...( شنو ذنب الطفولة؟).
طفولة ضائعة
نشر في: 12 يوليو, 2010: 06:31 م