لم أتخل يوما، الا نادرا، عن بدء صباحي بالاستماع لبعض من اغاني فيروز. وصباح هذا اليوم كان من النوادر. لم ابحث عن فيروز بل عن حضيري ابو عزيز. لماذا؟ حقا لا أدري. بدأت باغنيته "حمام ياللي"، ثم ضحكت. تذكرت تلك النكتة العراقية القديمة عن ذلك الذي فتح الراديو عند الفجر فسمع الشيخ عبد الباسط عبد الصمد يجوّد سورة الرحمن، فقال: كذا منك يا حضيري، من الصبح و "تقره"؟
ومن اغنية لأخرى، طوح صوت حضيري "مروا ولا سلّموا من يمنه فاتوا". لون "السويحلي" عذب حقا بصوته. غنى وكنت ادندن معه حتى اشتكى: "صحبان هذا الوكت بالشقه وغلّ ايدك". انتهت الأغنية لكن هواجسي ابتدأت. تساءلت: هل ان عمنا حضيري مثل الانكليز يفرق ما بين الصديق والصاحب؟ فهم لا يطلقون لقب "صديق" على كل من عاشرهم. ولديهم أسماء عدة يصفون بها علاقتهم مع الآخر: زميل، صاحب، عِرِف، قرين ثم صديق. وقد يضيفون لها صفات أخرى مثل زميل لعب او دراسة او عمل. وكل انكليزي، تقريبا، يختار صديقا واحدا يطلق عليه صفة "الصديق الأقرب" أو "أقرب صديق".
أما نحن العراقيين، فيبدو لي اننا نطلق صفة "الصديق" حتى على من صادف ان عاشرناه "ليلة ويوم" فقط. كم مرة نسمع احدهم يقول عن فلان انه صديقه، لكننا نكتشف، فيما بعد، انه التقاه مرة في مقهى أو جلس بقربه في حفلة او امسية شعرية. ولهذا السبب قد نجد لدى احدنا عشرات او مئات الأصدقاء. لكن هذا العدد الهائل لو طبقنا عليه معايير الصداقة الحقة قد ينتهي الى صفر.
من بين اشد مبادئ او معايير الصداقة صرامة، ما نسب للإمام علي: "عدو صديقي عدوي، وصديق عدوي عدوي، وعدو عدوي صديقي". وله ينسب أيضا: "صديقك من صدَقك لا من صدّقك". من يضع هذه المعايير لتحديد اصدقائه، اليوم، قطعا سينتهي الى ما انتهى اليه ذلك الحكيم الذي صاح يوما: "يا اصدقائي، لقد اكتشفت باني لا صديق لي".
شدعي عليك يا حضيري على هالاغنية التي أججت بها نار الم خاص في صدري؟ لقد ذكرتني يا عم بالشيخ الوالد يوم لاحظ أني افخر بكثرة اصدقائي في أيام الصبا. سألني: هل انت متأكد بانهم اصدقاء؟ نعم. لم يجبني مباشرة، بل روى لي التالي:
كان هناك شاب، يتفاخر بكثرة اصدقائه، قال لأبيه يوما انني لست مثلك لا املك الا صديقا واحدا. صحح الأب بأن لديه ربع صديق وليس صديقا كاملا. ثم اتفقا على ان يختبر كل منهما حقيقة اصدقائه. طلب الاب من ولده أن يذبح كبشا ويضعه في كيس ويذهب به لاصدقائه واحدا واحدا ويخبرهم انه تورط بجريمة قتل، ثم ليعد له بالنتيجة. الخلاصة ان الكل طردوه فعاد لابيه خائبا. بعدها ناشد الاب ابنه ان يذهب لربع صديقه ويفعل مثلما فعل مع باقي اصدقائه. طرق الشاب باب الرجل وعرفه بنفسه. حياه "الرُبع" وادخله داره ليهدئ روعه ثم أمر أولاده ان يأخذوا الجثة ليدفنوها والصباح رباح. اعتذر الشاب لصديق والده وافهمه الحكاية كلها. عاد الشاب نادما واكتفى فقط بان سأل والده: ان كان هذا هو ربع صديق، فكيف سيكون الصديق الكامل؟ انه لا وجود له يا بني.
يا صـديقـي
[post-views]
نشر في: 18 نوفمبر, 2012: 08:00 م