علاء المفرجي
مذكرات سونتاغ هي صورة شخصية متعددة الألوان لواحدة من أعظم الكتاب والمفكرين الأمريكيين، تعج بفضول سونتاغ النهم وظمأها للحياة.
في هذه اليوميات، أو الاعترافات (العظيمة)، نراقب بشغف تفتحها على الحياة، ونشاركها لقاءاتها مع الكتّاب الذين أغنوا معارفها، وننشغل بتحديها العميق للكتابة نفسها. كل هذا، يترشح في تفاصيل لا تضاهى للحياة اليومية.
ونحن نتحرّى غموضها في هذه اليوميات التي بدأت كتابتها في عمر الخامسة عشرة، مسجلة (أجزاءً من الإعتراف العظيم)، على حد عبارة غوته الشهيرة. يوميات، (كتبت فقط لنفسها، وعلى نحو متواصل، منذ فترة مراهقتها المبكرة حتى آخر سنوات حياتها... لم تسمح بنشر سطر منها، كما لم تقرأ منها، بخلاف بعض كتّاب اليوميات، الى أصدقائها، حتى المقربين منهم))، كما كتب إبن الكاتبة ديفيد ريف في مقدمته لليوميات، الذي نشر مختارات منها في كتاب والذي يتناول اليوميات المبكرة، بين عامي 1947 و1964.
يقول ريف: «كنت اعتقد دائما بأن من أكثر الأشياء حماقة التي يقولها الأحياء عن الأموات هي عبارة، (فلان كان يريد أن يحيا حياته بهذه الطريقة). هذه العبارة، على احسن تقدير، مجرد تخمين، وعلى الأغلب، عجرفة، ولا يهم إن كان القصد منها حسنا. ولايمكننا حقا ان نعرف. إذن، مهما سيقال عن نشر « ولادة ثانية «، فإن هذا الجزء الأول، الذي سيشكل ثلاثية من يوميات سوزان سونتاغ المختارة، هو غير الكتاب الذي كتبت، والذي يفترض انها، في حال قررت نشره، ستنشره كاملا. بدلا من ذلك، فإن مسؤولية قرار نشر اليوميات كمختارات، كانت مسؤوليتي وحدي فقط. حتى عندما لا يتعلق الأمر بالرقابة، فإن الأخطار الأدبية والأخلاقية لمثل هاته مغامرة هي بديهية.
أثبتت هذه اليوميات في مراهقتها اكتشاف طبيعتها الجنسية، في تجاربها المبكرة، في جامعة بيركلي في كاليفورنيا، باثنين من علاقاتها المهمة في مرحلة بلوغها، مع امرأة سمتها بالحرف أتش، والتي التقتها أمي في تلك السنة في كال، وعاشت معها فيما بعد في باريس عام 1957. ومن ثم علاقتها مع الكاتبة المسرحية ماريا ايرين فورنس، التي إلتقتها في نفس ذلك العام في باريس (فورنس وأتش، كانتا عاشقتين سابقتين). وفي نيويورك، بين عامي 1959 و 1963، بعد أن عادت أمي من باريس، تعرّفت على أبي، وانتقلت الى مانهاتن.
هذه اليوميات، أيضا حقيقية. بقراءتها، أحس بالكثير من العصاب الحصري، اكثر من اولئك المشاهدين اليونانيين في منتصف الخمسينات. أود لو اصرخ، (لا تفعلي هذا،) أو (لا تكوني قاسية على نفسك،) أو ((خذي حذرك منها، انها لا تحبك.) لكني، بالطبع، متأخر جدا: فالعرض أُنجز أصلا، ورحل بطل الرواية، كما رحلت الشخصيات الأخرى.
ما تبقى، هو الألم والطموح. وهذه اليوميات تنوس بينهما. يتساءل ريف: «هل كانت أمي ترغب بالكشف عنهما؟» مرة أخرى، هناك أسباب خاصة وراء قراري، ليس فقط بالسماح بنشرها، لكن بتنقيحها بنفسي، حتى لو كانت ثمة أشياء تضمنتها، وكانت مصدر ألم لي، والتي أود أكثر أن لا يعرفها الآخرون. يقول ديفيد ريف: «ما أعرفه، هو أن أمي، كقارئة وكاتبة أحبت اليوميات والرسائل ــ كلما كانت حميمية كلما كان ذلك أفضل. إذن، ربما كانت سوزان سونتاغ الكاتبة ستوافق على ما فعلت. آمل ذلك، على أي حال. “
سوزان سونتاغ، المولودة في نيويورك عام 1933، روائية وكاتبة وناقدة، جعلت منها دعواها المتحمسة للطليعية في الأدب والفن، ومواقفها السياسية، على حد سواء، واحدة من الأدباء الامريكيين الأكثر حضورا، وأكثرهم استقطابا في القرن العشرين. كتابها “ ضد التفسير”، الذي صدر عام 1966، بالصورة الذي تصدرت غلافه بعدسة هاري هس، ساهم في إرساء سمعة سونتاغ باعتبارها (المرأة الغامضة في الأدب الامريكي).
ألفت سبعة عشرة كتابا، ترجمت الى أكثر من اثنين وثلاثين لغة، بينها أربع روايات والعديد من الكتابات حول الأدب والفن. قيل عن عملها بأنه شكّل تحولا جذريا في تقاليد النقد في الفترة ما بعد الحرب في أمريكا، وأزال الحدود الفاصلة بين الثقافة العالية والثقافة الشعبية، كما أزال الفوارق، التي كانت الكاتبة تعتبرها مصطنعة، بين فن وآخر.