علي حسين
أفضل وأغنى رواية عن خراب الأمم، تركها لنا مواطن نمساوي اسمه ستيفان تسفايج، ففي لحظة فارقة من تاريخ البشرية يكتب هذا الرجل النحيل مذكراته عن عالم مضى.
ما هو الشعور الذي سيخامرك وأنت تقرأ حكاية صعود القوى الكارهة للحياة، كما يصفها في مذكراته “عالم الأمس”؟ لا أدري.. حاول أن تقرأ.
يقول تسفايج: "الكاره للحياة لا يعرف إلا طريقاً واحداً هو طريقه، لا يقبل حلاً وسطاً، يتوهم أنه وحده الذي يعلم، وعلى الآخرين أن يتعلموا منه، وتراه يرغي ويزبد إذا تجاسر أحدهم على إبداء رأي مضاد لرأيه".
لا أحب أن ألقي عليكم دروس الكتاب، لكن لا مفر من مراجعة تجارب الآخرين، وعندما نقرأ كم تكرر الظلم والعنف نشعر بأن العالم كله كان في يوم من الأيام مسرحاً للعبث والخراب.
هذا الخراب والخوف من المجهول يريدون لنا أن نعيش معه إلى النهاية ، فالمسؤول والسياسي العراقي لا يذهب إلّا ويأخذ معه كلّ شيء،لأنه ما أن يصل إلى كرسي البرلمان أو الوزارة، حتى يتراءى له، بل حتى يرى، أنه ليس موظفاً أو نائباً منتخباً، بل ورث الكرسي .
الذين انتظروا الديمقراطية من الأحزاب التي تحكمنا يعانون من سذاجة مثلي، لأنهم يعتقدون أنهم يعيشون في ظل أحزاب تحترم الآخر. اليوم هناك قواعد جديدة وواضحة للعمل السياسي، عبَّر عنها معظم شيوخ وخطباء هذه الأحزاب. في الانتخابات الأخيرة أصدر السيد كاظم الحائري فتوى بتحريم انتخاب الشخصيات المدنية لأنها في نظره شخصيات كافرة، وبالأمس خرج علينا شيخ آخر ليخبرنا أن تغيير الوضع في العراق ممنوع شرعاً ولا يجوز وعلى المتضرر، وهو الشعب بالتأكيدأ أن يلجأ إلى الصمت.
اليوم في الوقت الذي يحاول العراق أن يبتعد عن ساحة الصراع الإيراني الأميركي، يدخل السيد كاظم الحائري طرفاً في السجال بدعوته إلى محاربة الأمريكان في بغداد، وهو أمر يثير الاستغراب بنفس القدر الذي يثير به التعجب! ربما يقول البعض: يا رجل هل أنت سعيد بوجود قوات أميركية في العراق؟ ياسادة أنا ومعي ملايين العراقيين لم نطالب الأمريكان بغزو بلادنا، ولم نرحب بهم.. الذين ملأت الفرحة وجوههم هم الذين استقبلوا جورج بوش بالأحضان والابتسامات.
قد يرى البعض يرى ”بطراً” في مثل هذه الأحاديث، لكني أحاول أن أنقل لكم آخر أخبار مفرحة، فلم أجد سوى مشاهد "أبو مازن" وهو يحيي الجماهير التي خرجت لنصرته.
العراق الذي وصلت فيه نسبة البطالة الى ارقام قياسية ، ، وشعبه الذي يعيش مئات الآلاف منه تحت خطر الفقر.. العراق هو مصدر حل الأزمات المالية في طهران، ومصدر الأمل في حل أزمة الليرة التركية، وهو الذي يسعى لرفاهية الأردن.