ترجمة :عدوية الهلالي
لم تغادره السينما منذ أن كان في السابعة من عمره ، وهي الفترة التي خبأته فيها والدته في صالات السينما المظلمة هربًا من الجستابو ، وبعد ان كان عاشقا للسينما،أصبح هو ذاته صانع أفلام شهيراً وحققت افلامه حضورا وشهرة عالمية اذ قدم للسينما خمسين فيلما من بينها (رجل وامرأة)عام1966، و(المغامرة هي مغامرة)عام 1972،و(هم والآخرون )عام 1981، و(خط سير طفل مدلل) عام 1988، و(رومان دي غار) عام 2007..
مؤخرا ، قام فيليب ازولاي بانجاز فيلم وثائقي عن ليلوش بعنوان (صور افلاما لتعيش) استحضر فيه ذكرياته السعيدة والسيئة وتحدث فيه ليلوش عن أفلامه واحلامه ..وقد جاء اختيارهذا العنوان ليؤكد المكانة التي يحتلها الفن السابع في حياة ليلوش لأنه اكتشفه في سن مبكرة ،عندما خبأته والدته في دور السينما خوفا من ملاحقة الجستابو ..وقتها ، اكتشف ان الأشخاص الذين كانوا على الشاشة هم نفس أولئك الذين كانوا في الشارع ، لكنهم أجمل وأكثر نجاحًا وشجاعة وكان يتألم عندما يرى والدته تبكي كل ليلة اثناء الاحتلال ، لذا فضل التسكع مع هؤلاء الناس لأن بامكانهم أن يضحكوا في أصعب الظروف ثم أصبحت السينما مهنته وشغفه الكبير..وعندما فشل
في البكالوريا قدم له والده اول كاميرا ليحصل على وظيفته الأولى ويصبح مصورا اخباريا بعد ان ادرك والداه أن السينما هي الشيء الوحيد الذي يعمل على تهدئته لأنه شديد الحماس .
وأثناء تصوير فيلم (عندما يرتفع الستار) في روسيا عام 1957 ، كان يضع الكاميرا تحت معطف واق من المطر لأنه لم يُسمح له بالتصوير ،وهناك أتيحت له الفرصة للذهاب إلى استوديوهات موسفيلم حيث كان ميخائيل كالاتوزوف يصور فيلم (عندما تمر اللقالق)لقد كان مفتونًا بحركات الكاميرا وعالم الأحلام . وبما أن المرء لا يموت أبدًا بسبب جرعة زائدة من الحلم ،فقد قال لنفسه :»هذه هي الوظيفة التي سأقوم بها»..
في البداية ، تعرض ليلوش لخيبات أمل منها ماكتبته عنه مجلة كاييه دو سينما المتخصصة بعد ظهور فيلمه الطويل الأول عندما قالت :» تذكروا هذا الأسم جيدا –ليلوش- فلن تسمعوا عنه مرة اخرى «! لكنه لم يشعر باليأس وقرر أن يواجه اخطاءه ويصححها في افلامه المقبلة فهو يحب التحديات ويستمتع بمواجهتها..كما صادفته أيضا بعض المفاجآت اللطيفة مثل مشاهدة فيلمه (رجل وامراة ) من قبل لجنة اختيار الافلام المشاركة في مهرجان كان بعد الحاح كبير من زميله المخرج فرانسوا ريتشينباخ لأنهم اغلقوا الترشيحات لكنهم وافقوا على ادراجه في الدقائق الاخيرة عند مشاهدته وانبهارهم به ..لقد مثل هذا الفيلم بالنسبة له ولادة ثانية بعد حصوله على سعفة كان الذهبية ، لأن النجاح معجزة لايمكن تفسيرها –كما يقول لولوش- فهو يساعدنا على تكرار محاولة الخلق والابداع ومعاودة التحدي ..أما الاخفاقات التي كانت تصادفه احيانا فقد ساعدته على المضي قدما وتقديم شيء جديد ، فالحياة بالنسبة له هي سباق مليء بالمتاعب ..أما افضل مشاهد افلامه فهي التي لم تكن موجودة في السيناريو والتي ولدت من لحظات مجنونة في موقع التصوير ..
لقد اطلق ليلوش العديد من الممثلين وقام بدعمهم مثل جاك فيليريه او جان بول بلموندو او فابريس لوتشينو وفاز سبعة من ممثلي افلامه بجائزة سيزار لافضل ممثل واعتبر ذلك مكافأة غير مباشرة منهم لجهوده معهم والطريف في الأمر انه لم يحصل ابدا على جائزة سيزار ..ويؤكد ليلوش ان اقرب افلامه الى نفسه هو فيلم(هم والآخرون )...فهو يحتل مكانة مهمة جدا في حياته لأنه يتحدث عن ذاكرته ، وعن صدمته كطفل في زمن الحرب حيث يمكن للمرء أن يميز الخير من الشر والشجعان من الجبناء خلال الحروب ، لذلك فالحرب في نظره هي اختبار رهيب للبشرية ، ويقول لولوش انه لو لم يكن يعرف الحرب ، ماكان ليفعل كل مافعله ،فهناك آثار لا تمحى لهذه الفترة ما يعني أنه في كل مرة يواجه فيها مشكلة صغيرة ، يقول لنفسه: إنها أقل خطورة من الحرب.اما الفيلم فيقول ان قصة الجميع لا تبدأ فقط لحظة ولادتهم ، بل ان نهاية قصتنا هي بداية قصة أخرى .. كما انه أهدى الفيلم لوالديه لأنه بفضلهم وبفضل هذه الحرب تمكن من صنعه ..
أما فيلمه «رجل وامرأة» فقد حقق نجاحًا هائلاً وتأثيرًا عالميًا بحصوله على جائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي في عامي 1966 و 1967. اذ اثبت وجوده وتم الاعتراف به من خلاله ، لكنه لايزال يعتبر نفسه هاويا لأن صناع الافلام الهواة يعملون بأنفسهم ..لقد كان بامكانه ان يصبح مخرجا امريكيا بعد ان قدموا له عروضا عديدة لكنه وعندما قدم فيلما في الولايات المتحدة مع ستيف ماكوين ومارلون براندو أدرك ان هوليوود هي آلة احلام مزيفة لذا رفض العمل فيها لأنها ليست السينما التي يصنعها ، فقد قدم افضل الافلام مع جان بول بيلموندو وجان لوي ترينتيان وآني جيراردو وايف مونتان ولينو فنتورا وجاك بريل ، كما حاول دائما السير على حبل السينما بتوازن وقدم افلاما سياسية بلا تطرف واجتماعية بلا تحيز فهو لايقلق بشان أي شيء مادام يمكنه الخروج من كل قضية بما يرضي الجمهور والنقاد ...