ياسين طه حافظ" 1 "لسنا على خلاف مع احد يقول ان الجماعات الانسانية تشترك في امتلاك المخزون كله او كثيراً من الارث الثقافي البشري.. لكننا نختلف حين يهمل البعض الفوارق في استيعاب هذا المخزون واهمال التجارب الشخصية- سواء أكانت هذه التجارب تجارب فردية ام تجارب جماعات ينتمي لها الافراد.. هنالك تمايزات وخصائص والنتيجة هنالك فعل لكل ثقافة مختلف عن فعل ثقافة جماعة اخرى أوثقافة انسان اخر.
فلا الفعل واحد ولا ردود الفعل واحدة ولا الحلول التي تطرح لحل المشاكل واحدة بسبب اختلاف الثقافات الحاصلة.وما يعقد المسألة اكثر ان الثقافة عادة ما تزود الافعال الطبيعية بتوجيهاتها فلا استعمال الطباعة واحد ولا استخدام السكين واحد ولا طريقة تناول الطعام بل العمل الجنسي والنوم وتربية الاطفال... وهذا مما يزيد الاختلاف بين الجماعات الانسانية ويجعل لثقافاتهم من بعد تأثيرات مختلفة.ان لدينا امثلة كثيرة عن عدم استقلال علمية الطبيب الجراح. وان طبيبين من التخصص نفسه ولهما زمن خبرة واحد يختلفان في التصرف لأسباب اخرى لا علاقة لها بالعلم والاجتهاد. بل وراء الاجتهادات مؤثرات مجهولة جذورها الثقافية وواضح أثرها.الثقافات إذن مثلما هي تراتبية فهي مختلفة أيضاً. ومثلما تزيح ثقافة مهيمنة ثقافة اخرى، الثقافة الاخرى لا تستسلم طوعا، واذا استسلمت تترك بعضاً من تأثيراتها في الثقافة الضد.نعم نحن نريد ثقافة، ولا معنى للعصر بلا ثقافة والحضارة ناتج مكونات ثقافية، لكننا نتأمل اليوم الفعل القسري للثقافة، أي ثقافة، ضد اخرى. فليس هذا امرا هينا اذا علمنا ان الثقافة "هي جملة المنجزات الفنية والفكرية والاخلاقية التي تكون تراث الامة..." والقسر هنا عمل لا يمكن قبوله بافتراض الصلاح وعدمه. فنحن لا نحتكم بالامور النسبية. وضرورات المستقبل والتقدم لم تتحدد بعد بشكل يرضي كل المجتمعات أو كل الثقافات.ان وحدة الجنس البشري منطلق جيد وذو جدوى مشتركة. كما انه انساني مكتمل الانسانية. ونحن لا نأتي بجديد حين ندعو لذلك. فذلك كان قبل التوسعات الاقطاعية وقبل الخطوط المنقّطة وغير المنقطة على الخرائط وقبل القوميات وتحديد الانتماءات أي حين كانت البراءة. ولم تكن للمنفعة مكاتب.ان صراع الانتماءات ثم الصراع الخفي والواضح للثقافات القديمة، جعلا للثقافات الحديثة دورا خطيرا في الهيمنة والتنكيل وخلق الحجج العقلية للتدمير والتغيير. ما يبدو تغييرا نحو الافضل يحمل في داخله "عدوانية" من نوع ما، وضررا من نوع ما وتجاوزا على الانسانية من نوع ما أيضاً. فقضاء الثقافة الامريكية "الحديثة في حينها" على ثقافة الهنود الحمر كان عملا مقبولا حضاريا واوجدت له الثقافة مسوغات عقلانية لكن المثقفين الامريكيين والاوربيين، وبعض مثقفي العالم، ادركوا من بعد ان خسارة حصلت وانهم راحوا يجمعون الوثائق والاحداث لفهم بعض جوانب تلك الحضارة. وعندنا الثقافة الشرسة التي قررت تجفيف الاهوار ومساندة الحدث الطارئ على الدائم أو الابدي، أدت إلى نتائج فادحة لبيئة البلاد وطبيعتها. وان الثقافة التي ارتضته لسبب عسكري مؤقت، كان رضاها على حساب ثقافة اخرى لها مدركات اخرى. وهذا ينطبق على امور كثيرة في الجراحة وشق القنوات والانفاق واستنزاف باطن الارض. وقضية الاوزون، ما يقع من خطأ فيها هو نتاج ثقافة خاطئة.ان انتقال معنى الثقافة من المحلية إلى الكونية ومن الامة إلى الامم ومن الجماعة إلى الانسانية كلها، يعدل كثيرا في بعض المفهومات، وفي الاقل يجعل العزاء في سوئها انها افعال ونتائج انسانية مشتركة. وهنا يصبح الاهتمام لا بما يجب ولكن بما عليه الثقافة في المجتمعات للافادة من المشتركات ولايضاح مصلحة الانسان بعامة على الكوكب. لن تختفي الخسارات ولكننا في الاقل سنكون تحت اشراف منهج فيه رؤية مستقبلية وفيه علمية اشتركت في صنعها الانسانية لا الاعراف ولا الاقطاعيات ولن تكون الامة بديلا عن العالم أو عن الامم مجتمعة.ان اهتماما عقلانيا بالحياة على الكوكب وبالانسانية عليه يهذب الفرد وتهذيب مجموع الافراد يهذب المجتمع ثم المجتمعات- وهو اتجاه ليس مثاليا في عصرنا حيث تزداد المشاركة في المعارف والتجارب والخبرات والمفاهيم. فما نسعى اليه هو ايقاف التجاوز وتحديد مشروعية التغيير لابعاد الضرر غير المرئي آنيّاً وليكون مبتغانا ثقافة تعبر عن كلية حياة الانسان الاجتماعية، والانسان هنا الانسان على الارض كلها، وان تتميز هذه الثقافة المبتغاة ببعدها الجماعي وجدواها المستقبلية من دون اضرار، قدر الامكان، بما لا يُرى من امتيازات التجارب الانسانية التي قد تدّخِرُ ما يؤسف لخسرانه.وهذا الكلام يأخذنا بلطف ومرونة إلى قول شنراوس "البربري هو ذلك الذي يعتقد في البربرية..." واظنه يعني ذلك الذي يجرد غيره من كل انسانيته أو ثقافته....rn"2"تحدثنا في القسم الاول من هذا الموضوع عما قد تفعله الثقافة (وطنية أو قومية أو فردية خاصة وهي ثقافات) ذات نسب من ثقافة الماضي وانبثاقات الحاضر فيها غير محددة ولا مألوفة دائماً...)، اقول فيما تفعله هكذا ثقافة خاصة في توجيه البحث أو الدراسة مما يسم الباحث بالانحياز وان لم يشأ هو ذلك. وبسبب من ذلك تؤدي الثقافة الفردية إلى ان يشعر المواطن بحق التغيير وبحق التجاوز وبحق احلال نفسه
مشروعية الثقافة فـي التغيير
نشر في: 13 يوليو, 2010: 05:46 م