TOP

جريدة المدى > عام > عبدالكريم السعدون: مهمة الفنان توفير بيئة ملائمة تتيح التواصل مع المتلقي

عبدالكريم السعدون: مهمة الفنان توفير بيئة ملائمة تتيح التواصل مع المتلقي

نشر في: 6 سبتمبر, 2022: 12:13 ص

عندما هاجرت الى السويد كنت أحمل معي تجربتي والحاجة فقط كانت للاختبار

حاوره : علاء المفرجي

ولد في بغداد . نال البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة عام 1999، ثم نال الماجستير في النحت من الكلية نفسها ودرس في

اكاديمية الكرافيك تیداهولم السويد 2006-2007 كرافيك ، ومدرسة الفنون العليا - فالأند ، جامعة بوتیبوري ( غوتيبورج ) السوید.. وهو عضو مؤسس للجنة الكاريكاتيرية العراقية . ومؤسس رابطة الكاريكاتيريين الشباب .نشرت تخطيطاته منذ 1979 في معظم الصحف و المجلات العراقية . كما نشرت في بعض الصحف و المجلات العربية لندن ،باريس ،عمان، مدريد. عمل مصمما في العديد من الصحف العراقية و صمم العديد من اغلفة الكتب (الجائزة الاولى لاحسن الاغلفة العراقية 1992 ) . متفرغ حاليا للتصميم و الرسم .

ينتمي عبد الكريم سعدون الى جيل الثمانينيات، وقدم حضورا بارزا في الوسط التشكيلي من خلال نتاجاته في الرسم والنحت وايضا في الرسم الكاريكاتيري، غادر العراق عام 2001 ليقيم في السويد... أقام اكثر من عشرين معرضا شخصيا، وعشرات المعارض المشتركة في أغلب بلدان العالم.

 

القسم الاول

حاورته (المدى) للوقوف عن ابرز المحطات في مسيرته الفنية، وانشغالاته في مجال التشكيل.

 ما المصادر والمراجع في نشأتك وطفولتك أثرت بشكل كبير عليك، لتضعك على سكة التشكيل كفنان له حضور بارز؟

– لازالت ذاكرتي تختزن مراحل من العمر مررت بها ومنها محطات عالقة لانها الاكثر اهمية فيها كما تتراءى لي الان فقد ولدت في بغداد في عائلة اهتم الاب بتعليم ابناءه وحثهم على ذلك وكان يهتم بادوات الكتابة ويوفر ماهو مختلف من الاقلام والورق ، كان يسحرني الخط الذي اسحبه على الورق بقلم القوبيا وارشه بالماء فكانت تجربة تلوين اول باقلام الخشب المائية التي رافقتني الى الان ، فقد بدأت الرسم مبكرا لانني وجدت فيه متعة كبيرة تدفعني للاستمرار فضلا عن الجو الذي تتحقق حينها في المدرسة الابتدائية بوجود جميل روفائيل مدرسا للرسم الذي اصبح فيما بعد مراسلا لمونت كارلو في مقدونيا ، وروفائيل اغنى مرسم المدرسة بنشاط غير مسبوق كان لكل منا دفتر رسم خاص وعلبة الوان مائية وفرت لي فرص جيدة لاكون في صلب تجربة الرسم والتدرب على انتاج الفن وبعد روفائيل كانت لنا تجربة مع المعلم الذي خلفه والذي ترك لنا حرية اختيار الموضوعة التي نعبر بها عن القصة التي يسردها لنا فمنه تعلمت كيف اكون حرا في التمتع بالرسم وكيفية الاختزال في التكوين والرسم معا . وفي المتوسطة التي تعلمت في مرسمها كيفية الرسم والتعامل مع مواد الفن من الوان وقماش بشكل اكثر احترافا ففيها فتحت عيوني على انواع جديدة من مواد الرسم من الزيت وقماش الكانفاس وكيفية تحضيرها وشدها على الحامل الخاص بها وبحجوم لم اعهدها سابقا وافتح عيني على كيفية تنظيم معرض فني، كان مدرس الرسم فنانا حروفيا ناشطا هو خالد ناجي، شجع المواهب واقام لنا معارض كبيرة وعمل منافسة رائعة بين الرسامين من الطلبة وفيها اشتركنا بتجربة نحتية حقيقية حيث عمل مدرس المادة الفنان النحات عدنان أسود على انجاز تمثالا في ساحة المدرسة كان مثار اعجابنا ودهشتنا الأولى في التعرف على كيفية صنع تمثال بمراحله المختلفة ، واشركنا معه في عمله فتعرفنا على الكيفية التي يتم فيها انجاز تمثال مدور بدء من الطين الى عمل قالب له وصبه وتصميم مكان عرضه. وفي الاعدادية تمكنت من رسم اعمالا بقياسات كبيرة وموضوعات مختلفة حيث وفر لنا مدرس المادة الاستاذ عباس خضير العيساوي الذي اصبح بعدها استاذا في كلية الفنون الجميلة التقيته فيها اثناء دراستي الاكاديمية، الفرصة والحرية وموادا جديدة للعمل ، ولابد ان اتذكر كيف كانت القراءة المبكرة الاساس في تنظيم وعيي الاول وتوجيه قرءاتي حيث اهتم الاخوان في البيت بتوفير الكتب وتنمية مكتبة كبيرة كانت ولازالت قائمة فيه، ولعل هناك فرصتان مهمتان في حياتي توفرتا لي، الاولى وهي الفرصة التي اتاحها لي اخي عجمي السعدون وصديقه غازي الفهد في رسم اغلفة مجله مكتوبة باليد وبخمس نسخ كانت من الاهمية الكبيرة لي حيث عززت عندي الثقة بالقدرة على انجاز شئ يحظى بالتقدير ،كان غازي الفهد شاعرا شابا يشار اليه كما كان رساما مبدعا للكاريكاتير رغم انه لم ينشر في مطبوع،  لازلت اتذكر رسوماته جيدا كانت مثار إعجابي ودافعا لي لاقتفاء اثرها ، رسوماته كانت غارقة في حداثتها فوقتها كان الكاريكاتير العراقي لم يتخط رسومات بسام فرج بأسلوبه المعروف ، وهذه البداية المبكرة تركت لدي رصيدا من المحبة للرسم واندماجا به فبعد سنوات قليلة ، عملت رساما للتخطيطات والكاريكاتير في واحدة من كبريات الصحف العراقية على قلتها آنذاك وبدعم من اخي الكبير ومنها انتشرت رسوماتي في معظم الصحف والمطبوعات العراقية. أما الثانية فكانت حصولي على حقيبة مليئة بالكتب و كانت المرة الاولى التي اتصفح فيها كتبا ومطبوعات فنية ملونة وحينها لم اتجاوز العاشرة من العمر ، ومرد الاهمية فيها انها جذرت عندي الميل لاعمال فنية تبتعد عن الواقع وتمثلات المكان فكنت اهتم كثيرا بمتابعة أعمال بيكاسو مثلا والاعمال الالمانية ، ولعل ذلك مبكرا جدا بالنسبة لي لادراك كيفية واسباب مغايرتها .

 رافقت الجانب الاكبر من مسيرتك الفنية ، وأرى انها مرت بالكثير من التحولات النوعية، فمن التصميم في الصحف ، وتصميم الاغلفة والتخطيط المصاحب للمقالات والاعمال الادبية، ورسم الكاريكاتير، واستقرارك أخيرا في الرسم وتحديدا في ميدان التجريب؟ هل حدثتنا عن ذلك؟

-ماذكرته قبل هذا كان له توجيه مباشر ومبكر لتطلعاتي بخصوص الرسم واهميته ولكن الصدف التي مررت بها وضعتني على سكة العمل في الميدان الثقافي ووفرت لي المكان والوقت المناسب للتجريب فالعمل في الصحافة مع سياسيين وادباء وفنانين يمتلكون تجاربهم الراكزة ومعهم تجارب شابة ايضا، تمنحك شعورا بتخطي العمر وتسريع نضج التجربة الحياتية والفنية على حد سواء، والرغبة بالاكتشاف الدائم لان الدهشة التي تمليها عليك لذة الاكتشاف تدفع الى الاستمرار بها، وهكذا كنت استكشف عوالم العمل في الصحافة باشتغالاتها المختلفة ، نشرت رسوما كاريكاتيرية لي برفقة الفنانين عادل شنتاف وعامر الجليلي ورسمت تخطيطات في الصفحات الثقافية رفقة رسامين سبقوني في هذا المجال منهم الفنان الراحل سلمان الشهد الذي حثني على العمل كمصمم لصفحات الجريدة ووضعني على سكة التصميم وهو فنان من جيل فيصل لعيبي وصلاح جياد وكانت رفقته فيها حديث ممتع عن الفن والفنانين واصبحت بعدها مصمما فيها الى جانب الرسم وكان لوجود الفنان خالد ناجي الذي كان معدا لبرنامج عدسة الفن وقتها مشجعا لي وداعما، وبعدها عملت ر ساما ومصمما في دار المأمون التي تشكلت حديثا في بداية الثمانينات، وكذلك في جريدة بغداداوبزفر وفي هذه الدار خضت تجربة صناعة اغلفة المجلة التي تصدر عنها باللغة الانكليزية بواسطة الدمى التي نحتها بالطين الملون وكذلك في تصميم مشهد الحدث ومن ثم التقاط صور له تصلح للنشر كانت تجربة ممتعة وجديدة نالت الاهتمام وقتها وفي الدار ايضا بدأت بتصميم اغلفة الكتب التي تصدر عنها مترجمة من اللغات الاجنبية رفقة عدد من الفنانين الاصدقاء ونال احد الاغلفة لرواية مترجمة جائزة اولى في معرض الكتاب في بغداد في بداية تسعينات القرن الماضي كما ساهمت بتصميم البوسترات ومنها بعض البوسترات الخاصة بمهرجان بابل الدولي الاول وبعض مطبوعاته وبدات المشاركة في معارض الكاريكاتير والكرافيك العالمية وبدأت بتصميم اغلفة كتب للاصدقاء الادباء من شعراء وقصاصين ومنهم ومن النقاش معهم تدرك حجم الذائقة ومقدار الوعي باهمية التصميم ومخرجاته ففي الثمانينات كما اتذكر التقيت الاديب والناقد المعروف جبرا ابراهيم جبرا في قاعة الرواق وكنت قد صممت غلافا لديوان شعر من ترجمته فكان للملاحظات التي ابداها وحديثه الهادئ الثري تأثير كبير علي وعلى تجديد ادواتي الفنية في هذا المجال ، ويمكنني القول الان أن تخطيطاتي في الصحافة ووعيي بشأنها، كانت تجريب مستمر لان الحرية التي توفرت لي فيها ساهمت الى حد كبير في انضاج ادواتي الفنية كما انها انضجت تجريتي في الرسم وخياراتي فيه التي يمكنني القول الان، ان فيها بعض الخصوصية فقد كانت بلاشك تجربة غنية ومهمة في حياتي العملية فاعتقد انها كانت مختلفة بعض الشئ إزاء ما هو معروف في هذا التقليد الصحفي ، لانني نشرت عدداً كبيراً من التخطيطات مع النصوص الشعرية والادبية بشكل عام ولكنني لم احاول ان اجد خيطا يربط النص الكتابي بالرسم الا من خلال اقامة علاقة بصرية بين الكتابة ككتلة مكانية وبين الرسم في وجوده الذاتي المستقل وهذا يعني انني استخدمت الكتابة كفضاء محيط لتخطيطاتي واقمت علاقة خارجية بين النص كوجود فني مستقل من جهة وبين الرسم كفن مستقل من جهة أخرى لا يؤدي بالنسبة لي الوظيفة ذاتها التي قد حرص البعض من زملائي واجتهد من أجل الحاق الرسم بالنص ، وان يجعل العمل الفني جزء منه وما ساعدني في ذلك انني كنت مصمما للصفحات الثقافية في الصحف التي نشرت رسوماتي ، وحتى الان تنشر تخطيطاتي كأعمال مستقلة لا علاقة داخلية تربطها بالنص سوى علاقة التعايش الحر في فضاء التصميم الذي ينظم العلاقة بين كتلتين وهذا الامر في الحقيقة هو رغبة مني لان يكون الرسم خارج تأطير اللغة واعتقد ان ماقمت به كان صحيحا فالان نحن نعيش في عصر يتقدم فيه المرئي على المسموع والمقروء بشكل يثير التوقعات والشكوك الكثيرة عن الانماط التعبيرية التي سيستخدمها الانسان في ظل التطورات السريعة المتلاحقة وهل ستصمد الى وقت اطول من الان ، لقد تغيرت الكثير من عادات التواصل بين الناس كما تغيرت الكثير من تقاليد الاستقبال . لذا اعتقد بأن منح الرسوم التوضيحية قدر كاف من الاستقلال يضمن لها الحرية في التعبير المستقل كما هي متاحه للنصوص الادبية. وكما ترى ان هذه السنوات من العمل كانت مختبرا حقيقيا لانضاج الوعي الفني خصوصا وهو الذي يقود بالتأكيد الى معرفة بالوجهة التي تخطو باتجاهها، وما يسعدني انك كنت من الاصدقاء الذي تابعوني واهتموا بتجربتي ودعموها.

 وهل ترى في عملك هذا خلال سنوات طويلة كان بمثابة تجربة بأتجاه ترسيخ أسلوبك كفنان معروف؟

- استطيع القول ان العمل في الوسط الثقافي ومنه الصحفي المتنوع والمتصادم كان تجربة مثيرة وعظيمة الفائدة لانها عرفتني على مفاصل كثيرة في دروب الحياة اولا وعلى المكان الذي اقف فيه فعرفت من خلاله المدى الذي وصلته في عملي ايضا كما عرفتني على الكثير من الفنانين والمشتغلين في الوسط الفني وعلى كتاب وادباء من العاملين في الوسط الثقافي، وهذا له حسنات كبيرة في صقل وعيي وادراكي بشكل عام، وأنا دائم التذكر انه من خلال العمل في الصحافة تعرفت على اسماء لاتغادر الذاكرة الثقافية العراقية بل هي من اعمدتها المهمة، فرافقت الفيلسوف مدني صالح في ممشاه من الجريدة الى منطقة سكناه، وكذلك رافقت د. علي الوردي الذي احب ان يُرسم بالكاريكاتير وحسين علي محفوظ الذي لم استطع للاسف الشديد بسبب مغادرتي البلاد الجميلة، من تلبية رغبته بأن تكون في رفوف مكتبته اضمامة من رسوماتي الكاريكاتيرية خصوصا، كذلك العلامة والباحث الكبير جلال الحنفي ومعهم حضرت العديد من المجالس البغدادية العظيمة الاثر في نفسي وغيرهم ممن لايسع المجال لذكرهم ، في مثل هذا الجو ادركت ان من يسعى في اتجاه معين يجب ان يضع قدمه في الطريق الذي يفضي به الى ان يكون له حضوره الواضح والمنفرد ، شخصيا هذا ما اريد ان اكونه مع ذاتي اولا وامام الاخر ايضا ،كنت متأنيا ولم استعجل المشاركة في الكثير من النشاطات الفنية التي كانت تعج بها بغداد الا فيما ندر ، واحب القول ان كل هؤلاء يرافقونني دوما واحسبهم شهودا ، حاولت من البدء ان اجد طريقا مختلفا لان مضي الفنان في التلصص واسميها تلصصا لان الدرس الاكاديمي بالقدر الذي يعطيك القوة والمتانة والثقة في قدراتك الا انه لا يفضي بك الى طريقك الحلم، كانت فترة ممتازة للتجربة ومراجعتها وكذلك في استكشاف الممكنات التي تقدمها المادة والاداة ففيهما يكمن سر البحث الحقيقي . لعل المعارض التي اقمتها في قاعة الرشيد1984 والرواق 1987ومركز الفنون وجمعية التشكيليين العراقيين1992 تتوج الجهود التي انشغلت فيها على استكشاف طاقة الخط ومرونته ومقدار العاطفة التي يحملها ويركزها في بنية العمل، اعتقد ان المعرض الاخير هذا اعطى الانطباع عن فترة نضوج اسلوبية ان جاز التعبير وقدمني بشكل ممتاز الى الوسط الفني، كان نقلة حقيقية من العرض الذي يكاد ان يكون يوميا على صفحات الصحف الى عرض منظم على جدران قاعات مكرسة للفن وهذا النوع من العروض يعطي فكرة دقيقة عن الاشتغال على سطح العمل الفني والتنظيم في بنيته ويشكل اتصالا حقيقيا ومباشرا مع المتلقي . اتذكر عندما كنت أنت تدير الصفحة الثقافية في أحد الصحف يومها، أحتفيت بالتجربة والمعرض بتحرير صفحة كاملة عنها كما استقبلت عددا من كتابات المهتمين بها وذلك وفر نوع من الرضا والاشباع بشأنها .

 أرى ان معرضك الذي أقمته في قاعة أكد والذي أقيم قبل هجرتك الى السويد، كانت نقطة التحول ليس بالخيارات التي ذكرت، بل بإدخال عناصر أسلوبية جديدة في الرسم؟ ماذا تقول؟

- في هذا المعرض أردت تأكيد تجربة اشتغال مغايرة فيها بعض من ملامح التجربة التي سبقته وخصوصا ان هذا المعرض اتى بعد فترة زمنية طويلة نسبيا انضجت فيها العمل على مواد مختلفة وكانت فيها اشتغالات لونية متعددة تشكل مغادرة عن اللون الحيادي في السابق كما ان فيها ملامسة لموضوعات تتعلق بوجودنا الانساني الذي تعرض الى انتهاكات عديدة وقتها وكان لدروس الاشتغال في الصحافة ورسم الكايكاتير اهمية في تعلم كيفية تمرير الفكرة فهو يمنحك القدرة على استخدام التورية كوسيلة للتخفي وايصال ماتريد من المتلقي ان يعيه ، هناك سيولة في اللون والخط تعمدتها لاسباب فاللون ظهر في اعمالي كمعادل موضوعي لتوجيه اهتمام عين المتلقي اولا للاشارة على مركز التكوين العام للعمل وثانيا لتكثيف وجود الدلالة عبر مايثيره من طاقة تعبير تتجه بالمشاعر الى تحسس جو من السخط لانني سعيت لاثارة فضاء من التساؤلات، فمن المعروف المتلقي المحمل بتصوراته المسبقة سيتفاعل بسهوله مع العمل ظاهريا ولكن بمجرد عكس تلك التصورات وتحييدها فأنه سيصل الى الدلالة التي ارتأي وصوله اليها ، فظاهريا كنت قد رسمت وجوها تقترب من وجوه الاعراب في الصحراء فسألني زائرا نمساويا للمعرض وقتها :هل تشير في علاماتك تلك الى جو من انعدام الحريات والكبت ؟، فمن المعروف أن اللوحة هي حقل علامي باث، ومن اجل تحميلها أسئلة تتعلق بالوجود الإنساني بشكل عام فأن مهمة الفنان توفير بيئة ملائمة تجعل قراءتها سليمة لجعل إمكانات التواصل مع المتلقي ممكنة. انه نوع من تركيز التلقي لتأكيد مفهوم هيمنة دلالة معينة تستمد قوة ظهورها فيها ومن جهة اخرى كنت اسعى في بناء العمل على احداث توازنات معينة احاول فيها خلق فوضى الشكل داخله وهذا النظام في العمل يحتاج الى تشكيل نوافذ لجعل العمل في حركة دائبة تتطلب بعض الجهد لاستدراج النظر وتركيزه لفرز العلامة رغم وجودها المتشكل وسطه وكان اللون قد لعب دوره بشكل ممتاز. كان في ذلك المعرض نوع من القلق الوجودي الذي احسسته والذي احمله معي فانا شخصيا من جيل خارج من الحروب بالصدفة وهي حروب اتسمت بالعنف الكبير فاللون في الاعمال يؤدي بالدلالة الى مسارب متعددة، أخذني اليه بقوة لان التعبير يتطلب ذلك ففي الاعمال يجد المتلقي مزيج من الرغبة في اثارة واستدراج شكل مفتقد من السلام وسط حياة تضج بعنف وقسوة غير مسبوقة لذا اقول ان في اعمال المعرض كانت محاولات متكررة للتعبير عن السخط ازاء عالمنا الغير منصف . اشعرني الاهتمام بالمعرض من قبل الصحافة والمهتمين وجمهور الزائرين الذي غصت به قاعة العرض بنوع من التأكيد على اهمية انتاج خطاب تشكيلي يبتعد عن السائد من المعروض فقاعات العروض الفنية كان فيها الكثير من التجارب وليس من السهولة تخطي تأثيراتها ، الان اضع نفسي في موضع المتسائل هل كنت واعيا لذلك ومستعد له ؟ . ان عملية إنتاج خطابا تشكيليا جديدا هي بالتأكيد عملية محفوفة بالمخاطر لأسباب تتعلق في بنية النتاج الفني ذاته وعصره وطبيعة المتلقي الذي يخاطبه بمعنى انه كان علي ان أنتج فنا فيه الكثير من إمكانية التأويل بوجود متلق قادرا على تقوليه، ففي ذلك الوقت كان من الصعوبة ان تغامر بوجود مصدات عديدة تعقد مسار التواصل مع المتلقين ، ولكن كنت ادرك بدون شك ان على الفنان تحمل مسؤوليته في الحفاظ على استقلاليته وفي إنتاج خطابه المؤثر ومحاولة تمثل عصره.

عندما هاجرت في 2001 كنت احمل معي تجربتي وسنوات عملي الكثيف في الرسم وكنت واثقا ان ما أحمله من الاهمية بمكان ومكتمل بعض الشئ ولايحتاج الا الى اختبار المجاورة التي ساتعرف من خلاله على سؤال مهم وهو اين نحن من العالم الاخر؟ .

 هل كان هناك تأثيرا لمطبوع (مجلتي) الذي عمل في فنانون معروفين، ولوّن فترة السبعينيات بألوانه، ما الذي تتحدث فيه عن هذه التجربة؟

- في وقت ظهورها شكلت مجلتي ظاهرة ، واتحدث هنا بمايخص الرسم فيها ، كانت تضم رسامين تركوا اثرهم الواضح على جيل من من طلبة معهد واكاديمية الفنون فقد هيمنت بصريا بشكل مثير للاهتمام واصبحت قبلة للشباب للتدرب على التخطيط والتلوين من خلال رسومات اسماء كبيرة مثل طالب مكي وصلاح جياد وفيصل لعيبي فقد اصبحت رسوماتهم معيارا واسلوبا كنت مهتما بها واجمع اعدادها باستمرار ولكن كان لدي طموحا مختلفا اذ ان البحث عن سيرة الفنانين اكثر جدوى من امتصاص اثرهم في الرسم الذي يفضي الى نتيجة واحدة وهي تعدد النسخ وعندما عملت في مجلة مجلتي رساما في منتصف الثمانينات كنت حريصا على ان اجد مسارا لي بوجود طالب مكي وكذلك مؤيد نعمة وعبدالرحيم ياسر ونبيل يعقوب وحنان شفيق وانطلاق محمد علي ومي السوز وغيرهم بالاضافة الى وجود كتاب كبار يشكلون مجسات تحسس للاختبار مثل عبدالاله رؤوف وشفيق مهدي وجعفر صادق وفاروق يوسف وصلاح محمد علي وعواطف علي وجواد عبدالحسين وغيرهم وكل هؤلاء يشكلون حاضنة بالاضافة الى مايشكلونه من تحدٍ ، اعتقد انني كنت منسجما مع ذاتي في العمل وانتاج رسومات تقترب من عالم الطفل الواسع والحر ، كان في رسوماتي نوع من المبالغة في رسم الاشكال وهذا انتقل معي من تجربة العمل في الصحافة ورسوم الكاريكاتير ولكن الامر الهام بالنسبة لي، انني خرجت من هذه التجربة بمايفيد العمل على اللوحة بأن سمحت لتلك الاشكال بالتمدد الى متنها، والحقيقة لم يكن ذلك مقصودا وانما تم بهدوء وعلى نطاق واسع، نبهني الى ذلك كتابات الناقد الفنان محمد ممدوح الجميل والناقد الفنان د.غالب المسعودي الى انني استعير عالم الطفولة واعيشه في متن اللوحة وهذا ما أسعدني كثيرا فظهور الطفل الذي يسكنني استمر الى الان في اشتغالاتي في الفن، و كما قال الناقد الفنان عادل كامل انني أمسك بطفولة شبة غائبة ، لأجعل منها ظاهرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram