لكل مرحلة من مراحل تاريخ العراق الحديث سمة أساسية غالبة تميزت بها. ويمكن القول أن المَلَكية مرحلة اتسمت بطابع البناء، فقد انتقل البلد خلالها من "العدم العثماني" الى دولة ناهضة واعدة حظيت بدور اقليمي واعتراف أممي.
مع 1958 دخلت البلاد "عصر الثورة" وطغى "الغليان السياسي" على مرحلة الجمهورية الأولى. فقد اشتد الصراع متعدد الوجوه بين القوى السياسية. وفي وقت ما من عام 1959 أصبح العراق من وجهة نظر السي آي أيه "أخطر بلد في العالم". وقد أخذ بعض ذلك الصراع طابعا حربيا بين الحكومة وبين الكرد. وبالإجمال يمكن القول أن "الصراعات السياسية" هي السمة الغالبة على الجمهورية الأولى.
المرحلة منذ انقلاب 8 شباط 1963 الى 18 تشرين الأول من نفس العام اتسمت بطابع العنف الدموي. وكانت بمثابة تصعيد الصراع السياسي في الجمهورية الأولى الى عنف سياسي. فقد تحولت آلة الدولة الى قوة قمع في الجزء العربي، وقوة حرب في كردستان.
وخلال حكم العارِفَين، 1963 – 1968، بدا أن طاقة الصراع والعنف قد استنفدت، ومالت الأوضاع الى الهدوء. ويمكن وصف هذه المرحلة بأنها مرحلة الحكم العسكري المعتدل. كما يمكن وصفها أيضا بأنها "مرحلة التيه". وقد التقطت البلاد فيها أنفاسها. الأحزاب، خاصة البعث والشيوعي، كانت بدورها تعيش فترة التقاط الأنفاس. بينما تناوبت الحرب على الكرد بين أطوار الشدة واللين. وكانت جميع القوى والأحزاب السياسية مفصولة عن السلطة وتعمل في اطار من السرية.
الأعوام من 1968 الى 1991 يمكن اعتبارها مرحلة بناء "الدولة الشمولية". ولعل العام 1979 الذي تولى فيه صدام حسين سدة الرئاسة كان ميعادا لإنجاز "الدولة الشمولية". فمعه أصبحت سلطة الرئيس مطلقة، ودخلت البلاد كلها في طور "عراق صدام".
مع حرب الخليج الثانية عام 1991 ولغاية 2003 تراجعت قوة صدام، وتغير الحكم خلالها من "شمولي" كلي القدرة الى "تسلطي" محدود القدرة. وتحول العراق خلالها الى دولة منبوذة محاصرة مفككة، سادها الفقر واليأس. وكانت "فترة مظلمة" قلما عرفت مثلها الأمم.
في 2003 دخل العراق بصورة رسمية جلية "مرحلة انقسام البيت". أصبح "دولة المكونات" المتصارعة. وباستثناء عامين، أخذ خلالهما "الصراع الطائفي" طابعا قتاليا أو عنفيا، فقد ظل الطابع العام للصراع بين "المكونات" سياسيا. وهكذا فقد أمست السمة الغالبة على مرحلة عراق ما بعد 2003 هي الطائفية والإثنية.
وجاء، أخيرا، تشكيل ما يعرف بـ "قوات دجلة" إيذانا باشتداد نوع من"صراع قومي" بين العرب والكرد. أو على الأقل بين حكومة بغداد وبين اقليم كردستان. إن حل قضية "المناطق المتنازع عليها" بين المركز والإقليم أصبح مهمة تفوق قدرة "العملية السياسية". وهذه مشكلة أعقد من مشكلة صيغة "حكومة الشراكة" المختلف عليها، والتي دخلت بدورها طريقا مسدودة. ومن دون حل هذه الأخيرة لا يمكن الخوض في قضية مناطق النزاع.
وتكتسب المخاوف من وقوع عمليات قتالية بين الجيش والاقليم طابع الجدية. واذا تجدد القتال هذه المرة فليس مستبعدا اعلان اقليم كردستان انفصاله نهائيا عن العراق. فهل نحن على مقربة من هذه اللحظة؟ هل ستتكرر تجربة السودان في العراق؟ وهل سيكون استقلال كردستان التام أبرز سمات مرحلة "عراق المالكي"؟
استقلال كردستان؟
[post-views]
نشر في: 18 نوفمبر, 2012: 08:00 م