عبد المنعم الأعسم
لم تدخل مفردة سياسية واضحة مدخل اللغز، او الكوميديا، أو الغموض، او المَضحَكة، مثلما دخلته (الآن) مفردة الحوار بين فرقاء أزمة الحكم لمعالجة «الانسداد» في العملية السياسية، وباستثناء مقترحات رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي العشرة (ولم يُرحب بها)
فان جميع الدعوات التي امتلأت بها اقنية المحافل والفضائيات والتغريدات والتسريبات خالية من نقاط البحث السابقة للحوار، الامر الذي يعني انهم، ربما بالاجماع، يتمنّون (اقول: يتمنّون) حواراً للترضيات، وانهاء ما يعتقدون انها جفوة عابرة بين الصدر والمالكي، يبدأ ببوس اللحى وينتهي بمائدة طعام باذخة وتمنيات بالتوفيق والنجاح لعهد جديد- قديم يتشارك فيه الجميع، بمحاصصة توافقية محسّنة، فيما ينال كل مشاركٍ نصيبه من الكعكعة.
وبالمحصلة، فان الدعوات للحوار على هذا النحو الذي نتابعه يوميا، وبصرف النظر عن الجهة التي تطلقها (اولا) انها تتجاهل ما حدث من حوارات سابقة (بنفس السيناريو) انتهت الى استعصاءات وعُقد اضافية.. و(ثانيا) ان هذه الدعوات لا تعدو عن محاولات مصممة للعبور من فوق المأزق التاريخي الخطير الذي تمر به البلاد، وحاجتها الى عملية اصلاح جديّة وشاملة لمنظومات وآليات وزعامات الحكم التي تسببت بتدمير اركان الدولة، وروح الوطنية، وتسلط السلاح المنفلت، و.. (ثالثا) غياب الاساس الاختصاصي في مبدأ الحوار وهو استعداد المتحاورين لتقديم تنازلات، وقبل ذلك، استعدادهم للاعتراف بالفشل، وقلة التحسب، والتسبب في عربدة الارهاب الاجرامي وانتشاره.
بعض الدعوات المعلنة للحوار كانت، خلاف اصول وشروط الحوار المسؤول، تتسم بالوجاهية، والمشايخية، والوعظ البارد، والاهابات النيئة، حيث يخلط اصحابها بين الحوار من حيث هو عملية مركبة، معقدة، مضنية لبناء مشتركات برنامجية بتوقيتات محددة بين خصوم يفترقون باضطراد، وكونها جلسة تعارف اجتماعية، قبلية، وعلاقات عامة، يتخللها تبادل التمنيات، فيما الكثير ممن يتحدثون في الاعلام عن الحوار وضروراته بحماس مُفرط، يلفّون ويدورون، من دون ان يفصحوا عن (وربما يجهلون) ماهية ومضامين وموضوعات وسقوف ونقاط البحث وحدود المواقف اللازمة لحوار ناجح، ضامن للنتائج الايجابية، واذهب الى الظن بان هذا السيناريو من الحوار الشكلي يهدف الى ابقاء الحال المزري على حاله واجهاض حوار التغيير الذي تحتاجه البلاد كي لا تنكفئ الى المجهول.
الذين تابعوا مطالعات المدافعين عن حوارٍ يكرس الخطايا وسطوة السلاح المتنمر على الدولة يجدونهم يطلقون النكات البايخة ويتصرفون كممثلين كوميديين، على اساس ان المضاحك في مثل هذه الاجواء تقرّب ما بين النفوس المتنافرة، وتنفع في تمرير صفقة مستعصية، مثلما يحدث عادة في المسلسلات التركية حيث تـُنقذ المفارقات الكوميدية شرف بطلة المسلسل.
وبالمناسبة فان الحوار الكوميدي في اللغة التركية يُترجم الى العربية بكلمة «قشمرة».. وهذه تشبه تلك، من حيث المبنى والمعنى.
استدراك:
«ليست كل الأزهار ثمار».
مثل صيني
جميع التعليقات 1
عدي باش
الحوار (الوطني) لا يعدو كونه حوار طرشان .. صدقت ، إنه (قشمرة) و ضحك على الذقون !!!