بقلم سكرتيره الخاص: الرئيس الاول الركن جاسم العزاوي تخرجت في الكلية العسكرية في شهر تموز 1947 وبعد مضي ستة اشهر التحقت بدورة خاصة في الفرقة الثانية. وفي مساء احد الايام وانا جالس في قاعة نادي الضباط، شاهدت شابا رشيقا يتقد حماسا، وينطق بالوطنية والاخلاص. ولا ادري كيف جذبني هذا الشاب نحوه،
وكل ما اعرفه انني تقربت منه، وحاولت الاحتكاك به، وما ان تحدثت اليه حتى ملك علي مشاعري، واصبحت كلي آذانا صاغية لما يقوله، وانفتح له قلبي وكأنني اعرفه من عهد قديم... ولم يكن هذا الشاب الا الزعيم الركن بطل الثورة وقائدها عبد الكريم قاسم، وكان حينذاك برتبة مقدم ركن.وفي شهر مارس من عام 1948 التقيت قائدنا مرة ثانية في فلسطين، وفي منطقة جسر المجامع بالذات، وكنت ضابط الهندسة الذي رافق الكتيبة التي حاصرت موقع كشير (قرب بيسان). ومازلت اذكر جيدا عملية تقدم الزعيم الركن عبد الكريم قاسم على رأس كتيبة من اقصر الطرق التي تؤدي الى الشونة، بالرغم من مرور هذا الطريق بمحاذاة الجيش اليهودي، وما زلت اذكر غضب القيادة العراقية من هذا العمل الذي اعتبروه مخاطرة كبيرة، وحاولوا منعه بشتى الطرق، وقد اصدروا له امرا خطيا بعدم التقدم من هذا الطريق، الا انه تقدم على الطريق محتملا المسؤولية على عاتقه، وهو عارف جيدا نتائج عمله، ومطمئن من نجاحها، ونجحت فعلا! فكان لها صدى كبير. وبعد ان اعطيت مسؤولية الدفاع عن منطقة كفر قاسم (وهي المنطقة القريبة من تل ابيب) الى الكتيبة التي يقودها زعيمنا وقائدنا عبد الكريم، كنت انا آمر قطعة الهندسة التي الحقت بكتيبته، وبقيت معه لفترة طويلة، حتى ابدلت بقطعة هندسة اخرى. وهكذا، وفي ظروف حرب فلسطين، تتلمذت على يد الزعيم، وتلقنت الدروس الاولى... دروس الثورة ضد الطغيان والظلم، الثورة على كل ما هو ضد العدالة وضد الانسانية. افترقنا بعد انتهاء حرب فلسطين، ودخلت كلية اركان الحرب عام 1952، وتخرجت فيها عام 1954، وشاءت الاقدار ان تجمعني بزعيمي وقائدي عبد الكريم مرة ثانية، فصدر امر نقلي ضابط اركان حرب اللواء التاسع عشر، الذي كان يقوده الزعيم الركن عبد الكريم قاسم، وهكذا التقينا ثانية. ولكن كان لقاء من نوع آخر، حيث انني قد ازددت وعيا وتقدمت في الخدمة العسكرية. واصبحت برتبة رئيس ركن، وازدادت تجاربي. ومن الناحية الاخرى اصبحت حالة العراق ورجالاته البائدون مكشوفة لكل ذي عين تبصر، وكنت مع اخوان لي في كلية الاركان قد نظمنا خلية جديدة مرتبطة بأحد قادة الثورة حينذاك.وهكذا كنا في لقائنا الاخير متفاهمين روحيا وقلبيا، الا ان الزعيم كان يمتاز بالكتمان الشديد، فلم يصارحني بالموضوع ولم اصارحه انا بدوري، ولكنه كان يعرفني وخليتي جيدا، لأنه كقائد للثورة يعرف كافة خلاياه. وبعد مضي اكثر من سنة نقلت الى منصب اخر في وزارة الدفاع ببغداد، واستمر العمل الصامت، فكانت تأتينا التوجيهات من مجلس قيادة الثورة الذي كان يرأسه الزعيم الركن عبد الكريم قاسم بواسطة احد اعضاء المجلس الذي كانت خليتنا مرتبطة به، وكنت انا مسؤولا عن تنظيم خلايا سلاح الهندسة. ولقد جرت عدة محاولات للقيام بالثورة، الا انه كانت تؤجل لاسباب لا يتسع المجال لذكرها، حتى كان مساء يوم 10 تموز. ابلغنا خطة الثورة وواجباتنا نحن في بغداد بالنيابة عن الزعيم الركن عبد الكريم قاسم، وكان واجب خليتي التي تتكون من ضباط الهندسة وبعض الضباط من غير الهندسة، واذكر منهم الرئيس عبد الستار العبوسي الذي شارك في اقتحام قصر الرحاب، ولعب دورا مهما في القضاء على الاسرة المالكة، اقول كان واجبي مع اخواني ضباط الهندسة هو اعتقال رئيس اركان الجيش العراقي السابق محمد رفيق عارف، والسيطرة على معسكر الرشيد. وقد شاركنا في السيطرة على معسكر الرشيد اخوان لنا من خلية اخرى، اذكر منهم المقدم الركن محمد مجيد، والرئيس الاول الركن عبد الستار عبد اللطيف، وقد طلب منا كتمان هذه الخطة، وعدم تبليغ ضباطنا بها حتى مساء يوم 13 تموز، وقد تم ذلك فعلا، وانجزنا واجبنا بدقة، واعتقلنا رئيس الاركان السابق في معسكر الهندسة، وبقيت انا مع اخواني ضباط الهندسة في ثكناتنا حتى قابلت قائدنا عند زيارته معسكرنا، ومن ثم نقلت الى منصبي الحالي، وهو سكرتير وزير الدفاع. وهكذا رجعت للاشتغال تحت امرة قائدي وزعيمي مباشرة، واني لفخور بذلك. ان انطباعاتي عن قائد الثورة طوال هذه المدة التي عرفته خلالها، اي من عام 1947 حتى الآن، تتلخص في انه عادل ولا تأخذه في الحق لومة لائم.... كتوم جدا... امين الى اقصى حدود الامانة وصادق في اعماله واقواله.. حافظ للعهد لا ينسى اصدقاءه مهما ابتعد عنهم، وخير دليل على ذلك انه وصلته رسالة من شخص يدعى عبد الجبار حمزة، وحينما فتحتها وقدمتها له وهو في أوج اشغاله، تذكره حالاً، وقص علينا قصته، واذا به يعرفه منذ عام 1934 حينما كان القائد لا يزال طالبا في الكلية الحربية، وصديقه هذا كان ولا يزال من افراد الشعب.والزعيم قاسم مخلص لبلاده منتهى الاخلاص، ومؤمن بقوة الشعب العراقي والعربي... جريء في الحق ولا يقبل الباطل مهما كان مصدره... زاهد في المادة، وليس له مطمع شخصي في الحياة. صريح في اقواله واعماله، دؤوب على العمل، قليل الكلام كثير الاعمال. هادئ ي
هذا هو قائد الثورة
نشر في: 14 يوليو, 2010: 06:35 م