ثائر صالح
تجذب أسماء الموسيقيين انتباهنا فوراً إن كانت مألوفة، لنكتشف وراءها جهداً رصيناً وعملاً دؤوباً. فقد وقع نظري صدفة، وأنا أقلب الأخبار الموسيقية وبرامج قناة ميتزو الفرنسية الشهيرة،
على خبر تقديم أوبرا جان فيليب رامو (1683 - 1764) “الهنود [الحمر] العاشقون” وجذب اهتمامي بين الفنانين اسم السوبرانو أمل إبراهيم - جلول. فالاسم يدل على نجاح فنان لا ينتمي للثقافة الغربية في دار الثقافة الغربية نفسها، وهو أمر يبعث على السرور في كل الأحوال. يدفعني نفس الشعور لمتابعة أخبار موسيقيين لامعين مثل عازف البيانو التركي فاضل صاي والإيرانيين عازف الهاربسيكورد ماهان أصفهاني وعازف التشلو كيان رستمي، أو عازف البيانو اللبناني عبد الرحمن الباشا.
نتيجة البحث في مختلف المصادر كانت مفاجأة. فقد عثرت على فنانة رصينة متعددة الجوانب لا تكل، توزع اهتمامها بين عدد من الاهتمامات. فهي ليست مغنية سوبرانو محترفة تؤدي الأدوار في أشهر الأوبرات على أهم مسارح دور الأوبرا في أوروبا وأميركا فحسب، بل تعمل كذلك على نشر التراث الأندلسي الذي صانته شمال أفريقيا بعد استيلاء الإسبان على الأندلس، عبر غنائها مع فرقة موسيقية اسمها “اميدياز”. دفعني الاسم إلى البحث عن معناه، فعرفت أنه يعني “الشاعر” باللغة الأمازيغية، لغة سكان شمال أفريقيا الأصليين، فتبين أنها تنشط كذلك في تقديم التراث الموسيقي الأمازيغي (القبايلي) بشكل واسع. يقود الفرقة عازف الكمان الباحث رشيد إبراهيم - جلول وهو أخو أمل. واسم الفرقة ليس اعتباطياً، فهناك توكيد كبير على الشعر الأندلسي، بالخصوص الشعر الذي نظمته ولحنته شاعرات من الأندلس في عصرها الذهبي، في نفس الوقت التركيز على الشعر الأمازيغي.
الفنانة أمل إبراهيم جلول (1975) فنانة جزائرية ولدت في عائلة أمازيغية محبة للموسيقى، جدها كان عازف توبا في جوق نحاسيات أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر، شجع الأبناء والأحفاد على دراسة الصولفيج والموسيقى. درست أمل الكمان في البداية لكن في فترة صعبة هي فترة إرهاب الجماعة الاسلامية، ثم توجهت إلى دراسة الغناء في سنة 1995 قبل أن تنتقل إلى فرنسا كي تدرس في المدرسة الوطنية للموسيقى ثم في الكونسرفاتوار الوطني العالي للموسيقى وتكمل دراستها في 2003. قدمت مبكراً أدواراً رئيسة في أعمال شهيرة من عصر الأوبرا الذهبي، الباروك (مونتفردي وبرسيل ورامو وغيرهم) والكلاسيك (موتسارت) حتى العصر الرومانتيكي للأوبرا في القرن التاسع عشر وصولاً إلى الأعمال الغنائية المعاصرة. عملت مع فرق معروفة قادها موسيقيون كبار، وهي تلقى دعوات مستمرة للمشاركة مع فرق الجزائر والمغرب. شاركت مؤخرا في تمثيل أحد أفلام رباح عامر زعيمش أحد المخرجين الفرانكو-جزائريين المعروفين.
صدرت لها عدة تسجيلات منذ سنة 2004، منها لأدوارها في أعمال لولي وهندل ورامو ومؤلفين معاصرين بينهم شيمانوفسكي، ثم تسجيلاتها مع فرقة أميدياز “ذكريات من الأندلس”، وستصدر الفرقة البوماً جديداً بعنوان “الدروب الصاعدة” في منتصف تشرين الأول المقبل، يتضمن أعمالاً متنوعة من الأغاني الأمازيغية تعكس الثراء الشعري والموسيقي للغة الأمازيغية العريقة.