إياد الصالحي
تبتهج قلوب الزملاء كلّما مرّت ذكريات تأسيس إحدى الصُحف العاملة والمواكبة للأحداث على مدى تسعة عشر عاماً بلا توقّف منذ تغيير نظام الحُكم في العراق عام 2003، فالصُحف الصامدة أمام المتغيّرات الاقتصادية في الحياة بعيداً عن مضامينها سواء أختلفنا معها أم أتفقنا تمثّل تاريخاً لمسيرة طويلة قاربت العقدين من الزمن بكل أحداثه المروّعة والمُفجعة التي لم تترك لأصحابها غير استذكارات حزينة لنُخبة طيّبة تَفرَّقَ شملُهم لأسباب قاهِرة، فما بالنا ونحن نحتفي بجريدة عمرها تجاوز العقد الخامس؟!
صحيفة الرياضي، إحدى الصحف العراقيّة المهمّة في تعداد الصُحف البارزة التي شغلتْ الوسط المهني والجماهيري ما بعد تأسيسها في الحادي عشر من شهر أيلول عام 1971، بخطّها المُعتدل في سياسة النقد وأسلوب التحرير المُلتزم وخطابها المنوّع في أنشطة ألعاب لم تستسلم أمام سِحر كرة القدم وتقارير بطولاتها وأخبار نجومها، فكانت "الرياضي" بحقّ ملجأ أبطال ألعاب فرديّة نالوا مساحات كبيرة من مطبوعاتها اليوميّة، وعزّز مصداقيّتها تفاعل المؤسّسات الرياضية وفي مقدّمتها اللجنة الأولمبية ووزارة الشباب والرياضة حتى أصبحت الصحيفة الوحيدة في تاريخ الصحافة الرياضية تتنازع على مُلكيّتها تلك المؤسّستين لرعايتها وتوظيفها قدر الإمكان لتكون مناوِئة لصحيفة "البعث الرياضي" التي أفرغ مسؤولها الأول عدي صدام حسين أغلب شاغلي ملاك تحريرها للعمل في صحيفته!
تقلّبتْ الظروف بأحوال "الرياضي" خلال عقدي السبعينيّات والثمانينيّات، ومع ذلك حافظت على خطّها المُميّز ومواضيعها الجاذبة للقُرّاء ولمختلف ميولهم الناديوية خاصة عندما تتناول منافسات دوريات كرة القدم وكرة السلة، باستثناء الفترة التي غَدَتْ وقتها مثل كرة (Ping Pong) وفقاً للتنافس المزاجي غير النظيف والمصالح المتصادمة بين مسؤولي الوزارة والأولمبية آنذاك كما أشرت، إلا أنّها ظلّت تحمل الامتياز الاستثنائي بأنها أوّل جريدة رياضية يومية خرجت بالعدد (صفر) يوم الثلاثاء السابع من أيلول عام 1971 ثم بعد أربعة أيام بدأت رحلتها الرسمية يوم السبت الحادي عشر من أيلول، برئاسة إبراهيم اسماعيل وزميليه ضياء عبد الرزاق حسن (نائب رئيس التحرير) وشاكر إسماعيل (سكرتير التحرير) وواصلت خدمة الصحافة الرياضية وأصدرت 5095 عدداً قبل أن تُغلق بأمر من مسؤول الرياضة عدي صدام حسين يوم الجمعة التاسع من حزيران عام 1989 بالرغم من وجود كريم الملا رئيساً للجنة الأولمبية الوطنية (مسؤول الجريدة) الذي تسلّم مهمّته من الثالث والعشرين تشرين الثاني عام 1988 لغاية الأول من أيار عام 1990.
بشوق كبير، أقْدَمَ د.علي عبدالزهرة الهاشمي، إلى جسّ نبض حركة الصحافة الرياضية التي لم يستشعر بحرارتها منذ ثلاثة عقود بالرغم من كونه أحّد أعمدة جريدة "الرياضي" للفترة من 1983 إلى 1986 وصاحب فكرة استحداث أقسام في الجريدة لألعاب رئيسيّة ومُحرّرين اختصاص، قبل أن تُقطَع علاقتهِ بها قسريّاً وأتُهِمَ وقتها بإتخاذه موقف مُناصرة وزير الرياضة الأسبق نوري فيصل شاهر (مسؤول الجريدة) في أزمتها مع اللجنة الأولمبية برئاسة عدي صدام حسين حيث كان مسؤولاً عن جريدة البعث الرياضي!
استقطبت (المدى) قلم الهاشمي أسوة بكبار الإعلاميين والرياضيين عام 2014 في (نقطة ضوء) عموده الأسبوعي الذي خدم فيه شريحة كبيرة من الرياضيين والصحفيين بآراء نزيهة، حتى منحهُ طاقة إيجابية لإخراج جريدة (الرياضي) من ظُلمات النسيان، وسمّى ملاكاً تحريريّاً من زملاء الداخل والخارج انطلق بهم في رحاب التنافس مع بقية الزميلات.
وإذ أبارك لأسرة "الرياضي" ذكرى تأسيس الجريدة أمس الأحد الحادي عشر من شهر أيلول عام 2022، أثار استغرابي تجاهل ذكر الصحفي الرياضي المعروف غني الجبوري "مُتعدّد المهام الرياضيّة بين التعليق وإدارة اتحاد كرة القدم والصحافة" وهو أحّد رجالات "الرياضي" بين عدد كبير من الزملاء العاملين الذين مرّت تقارير عدد الأمس على ذكرهم من دون الجبوري!
أعتزُّ بالإشارة الى الجبوري هنا وهو أحّد الداعمين شخصيّاً عبر منحه فرصة الكتابة لي ولزميلي زيدان الربيعي في عام 1987 ضمن صفحة يختار فيها أفضل المواد المواكِبة للأحداث بآراء صريحة وتقارير تثقيفيّة منوّعة، وطوال السنين التالية ظلّ "الاستاذ غني" مُحافظاً على علاقاته الطيّبة مع مَن يعرفهم ولم يُشعرهم في يومٍ ما أنه كان صاحب فضل عليهم، فقمّة خُلق الإيثار للإنسان في محيطه المهني أن يتمنّى النجاح لغيره ويشعر بالفخر في سِرِّه بأنه وراء ذلك النجاح، وحقّاً هي من أرفع صفات السخاء التي لا يمتلكها سوى النُبلاء.