عبدالله السكوتيتكلم ابن السماك يوما وجارية له تسمع كلامه ، فلما دخل قال لها : كيف سمعت كلامي ؟ فقالت : مااحسنه لو انك تكثر ترديده ، فقال : اردده حتى يفهمه من لم يفهمه ، فقالت : الى ان يفهمه من لم يفهمه يكون قد ملّه من فهمه .
وهذه المشكلة يشترك فيها الاعلاميون والسياسيون ، اذ انهم باتوا يكررون الاقوال والاراء والتنظيرات حتى اثقلوا كاهل القارىء والمستمع ، وراح الكثير يسخر من ترديدها ، الجميع يلاحظ ان مايصرح به طرف من الاطراف ، يعيده الاخر بجرأة غريبة وكأنه ابتدعه للحظته ، هذا بالنسبة للسياسيين اما الاعلاميون فطامة كبرى اذ ترى وقوع الحافر على الحافر في الجريدة الواحدة ، والبعض لايستغرب ظهور مقالين متشابهين تحت عنوانين مختلفين ، ويقول هذه الصحافة (واحد ماد ايده بجيب اللاخ ) . وعودة الى السياسيين ومناداتهم باعادة المحاصصة عن طريق حكومة شراكة وطنية كمايقولون ، والشراكة لاتختلف كثيرا عن المحاصصة فهي تعني اعطاء حصة لهذا او ذاك بغض النظر عن الكفاءة والمهنية ، لتبقى الوزارات محتكرة من قبل الكتل السياسية هذه لي وتلك لك . مااتت به الديمقراطية كخطوة اولى كان اساسا لترسيخ المحاصصة حيث اعتمدت الكتلة التي توزعت بين النخب السياسية ولم تعتمد اسلوب المرشح الواحد لرئاسة الجمهورية او الوزراء وليبقى رئيس مجلس النواب للتصويت داخل المجلس المنتخب ، وبهذه الحالة نستطيع الخروج من المنغصات التي فرضتها التعددية ولم تقل بها الديمقراطية ، وكما معمول به في معظم دول العالم حيث تنقسم الانتخابات الى برلمانية واخرى رئاسية ، والديمقراطية لاتعطي الحق لسيادة طبقة على طبقة مع العلم انها تبقى فكرة مثالية صعبة التحقيق لانها وبحسب الترجمة الحرفية لها تعني حكومة الشعب ، وهي ليست كذلك في ارقى احوالها ، حيث تعطي لدينا سيادة للمنتخبين بفتح الخاء على المنتخبين بكسر الخاء ، وهذا مايؤثر سلبا عليها ويبدأ بسحب البساط من تحت اقدام الشعب ، في حين اكدت الطبقات الشعبية المختلفة مشاركتها بالسلطة في 31 آذار الماضي ، حين اودعت اصواتها في صناديق الاقتراع ، ولم تخرج الكرة بعد من مرمى الشعب على اعتبار انه يستطيع ان ينادي من جديد باعادة الانتخابات ، لانه يعتقد وبحسب هذه الازمة انه فوض من لايمثله ولذا يريد استبداله باخرين ، لان الظاهر في العملية الديمقراطية الان هي الحصص والمصالح ليست المذهبية ولا القومية وانما تجزأ الامر ليهبط الى مستوى الكتلة وهذا الشرخ الاول في عملية البناء الديمقراطي ، حيث يدعو الجميع الى سيادة الطبقات السياسية ، حتى حددوا سلطة الشعب ولم يجعلوه يفهم سلطاته سوى في التصويت الحر الذي تشوبه الشوائب والمؤثرات في بعض الاحيان ، والشعب بعد هذا قد استلب من عقليات مختلفة كانت تنظر الى الخلف الذي يمثله السلف الصالح وتحاول ان تحذو حذوه حتى في عصور ظلامه وقهره ، لانها بحسب ماتظن ان السلف يحيا مع ما اقترفه البعض في ذهنية الشعب ، ونحن اذا نظرنا الى ديمقراطية اليوم لانراها تختلف كثيرا عن المساومات التي قدمها بعض الخلفاء لارضاء هذا الطرف او ذاك من الاحزاب السياسية المناوئة ، حريات جزئية تقنع بعض السذج ، في حين تسلم زمام الامور الى احزاب وكتل ربما لاتمثل الشعب تمثيلا حقيقيا ، فهو يمارس دور الرقيب الفاشل الذي لايسمع احد مايقول ولايستطيع هو بما اوتي من وسائل متخلفة ان يقوّم اخطاء المسؤولين ، لتبقى ديمقراطيته مستقبلية وكما اوردنا في احد المقالات حكاية الفلاح الذي يخبر اولاده قبيل وفاته عن كنز دفنه في ارضه ، ما دعاهم الى الحفر والتنقيب وبالتالي يرون انفسهم امام خيار لم يتعمدوه ولكنهم يعتمدوه اخيرا لحياة جديدة .
هواء فـي شبك: بين ابن السماك وجارية له
نشر في: 14 يوليو, 2010: 09:29 م