طالب عبد العزيز
تتضح كلمة الامام علي بن ابي طالب:” كنْ في الفتنة كابن اللبون، لا ظهراً فيركب ولا ضرعاً فيحلب” في الايام هذه، بأهم وأجلى معانيها، بعد أن التبس الامر، وضاعت المقاييس، وصار بمقدور كل واحد منا اتخاذ موقف معين، والدفاع عنه حدَّ الموت، بعد أن أمست الناس فرقاً، تشايع من تشايع، وتخاصم من تخاصم، والكل يقول بالولاء، والكل طامع، والكل قاتل.
وقائع كهذه لن ينجو منها إلا العاقل، وأيُّ عاقل؟ ذلك هو الذي لا يدين بدين أحداً، ولا يتمذهب بمذهب أحد، ولا يخون أحداً، ولا يصطف مع أحد، ولا يقاتل مع أحد، ولا يقول كلمة حقٍّ لأحد، وبحق أحد، إذ كل كلمة موقف، وكل موقف انحياز، ولكلِّ انحياز ثمن أقله حزُّ في الرقاب، فالقوم يتربصُ بعضُهم ببعض، لذا عليك ألا تكون.
فيا بني: تبرأ أمامهم من قميص عثمان، ومن كل راية سوداء أو حمراء، ولا تقل شيئاً بحرب عائشة والزبير، وعلي ومعاوية، والحسين ويزيد، وإياك أن تقول برأي محمد بن الحنفية في الاعتزال، وتجاهل كل ما تعرفه عن صلح الحسن، سلم أمرهم الى الله، فالدولة الاموية دولة فتوحات وأساطيل، وهي حق ساقه الله لكبيرهم عند بعضهم، والدولة العباسية عصر ذهبي وعلم وبناء عند آخرين، فلا تشتم الغزاة، الفرس منهم والاتراك، السلاجقة والبويهيين، الخروف الاسود والابيض، العثمانيين والصفويين، ولا الامريكان ولا الانجليز حتى ولا الذين دخلوا العراق على دباباتهم، إذ كلهم شرفاء ووطنيون، يريدون الخير للبلاد، وإن كانت عبر بوابة الدم، فالدم العراقي رخيص، وهم محقون ! وإلا ما معنى أنْ تذهب بقدمك الى هناك.؟
والحرب قائمة بين فرنسا والمانيا ما تزال، يقترح رينوار الابن (المخرج) الضابط العائد جريحاً من الحرب على ابيه رينوار الرسام اضافة شيئ من أثرٍ الحرب على أحدى لوحاته، فيقول الرسام:” هل عليَّ أنْ اضيف شيئاً من اللون الاسود مثلاً؟ هنا، في الحياة الكثير مما يبعث الحزن، لذا، لا أن أضيف المزيد من الفقر واليأس والموت لهذا الكون، ليس هذا من اختصاصي، فيسأله:” وماذا عن الحرب”؟ فيقول:” ولا حتى الحرب” لقد كنت أرسم طوال حياتي، كما لو انني طفل».
لماذا علينا أن نكون مع هذا الفريق أو ذاك؟ هل بينهم من يمثلنا، نحن معشر المتطلعين للحياة؟ أيعاب علينا أننا لا ننتمي للحرب؟ ولماذا ننتمي؟ مَنْ للجمال إذن؟ من لرائحة الحياة في الرغيف؟ لقد قلنا وكتبنا الكثير الذي يدعو الناس للحياة، وقلنا خذوا ما حملتم على جمال جحودكم، وما خزنتم في بيتوتكم، وما استودعتم في المصارف، داخل وخارج العراق، خذوا العراق كله، والارض المغروسة والبور ايضاً، استصلحوا ما شئتم منها، والتي استوليتم عليها، وخذوا السيارات الفارهة، المصفحة وغير المصفحة، البنادق الرشاشة وغير الرشاشة، والمسدسات الكاتمة وغير الكاتمة، خذوا أرقام حسابتنا السرية والمعلنة والوهمية، تلك التي في الماستركارد، ونخيل، والكي كارت، خذوا ارباحها وفوائدها وما ظل في أرصدتنا من الدنانير، حولوها دولارات وأيورات وتومانات وليرات .. ؟ لكن، اتركوا دمنا الذي في الاعناق، نشهد الله أننا ما زلنا لبائن، لبابنة، لبونات، لا تملك من امرها شيئاً، وأنتم تملكون كل شيء .