يخوض رئيس الحكومة نوري المالكي معارك في اتجاهات متعددة، كما يقول مراقبون، فيواجه حلفاءه في الحكومة من التحالف الكردستاني بقيادة عسكرية تحمل اسم "دجلة" التي تذكر الكرد بالحملات العسكرية عليهم في حقبة الستينيات وما بعدها على حد وصف سياسي عراقي، فيما يواجه غضباً من الولايات المتحدة عن تصرفه الأخير بإطلاق سراح القيادي في حزب الله اللبناني علي موسى دقدوق الذي تتهمه واشنطن بقتل جنودها في العراق، فيما لا تزال الولايات المتحدة تتهم الحكومة العراقية بتمرير طائرات إيرانية محملة بالسلاح إلى سوريا عبر أراضيها.
وأعلن المالكي أول من أمس عن إطلاق سراح اللبناني دقدوق المسجون في العراق منذ العام 2007 بتهمة قتل جنود أميركيين، مؤكدا أن قرار إطلاق سراحه جاء لعدم كفاية الأدلة ضده، وقد تم تسفيره إلى خارج العراق. وقال بيان صدر عن مكتب المالكي إن "القضاء العراقي قام بعد استلام المتهم علي دقدوق من الجانب الأميركي بإجراء المحاكمات الأصولية وفقا للأدلة وبيانات الاتهام المقدمة ضده من جانب المحامين الأميركان ولعدم كفاية الأدلة صدر القرار ببراءته".
ويضع نواب وسياسيون علامات استفهام حول إطلاق دقدوق، ويقول سياسي ان الحكومة "أفرجت عن شخص إرهابي قام بمقاتلة قواتها العسكرية قبل ان يقاتل الأميركان"، فيما ترى القائمة العراقية أن "الحكومة تماطل في إخراج المعتقلين العراقيين من السجون بينما تسارع في اطلاق المعتقلين الأجانب"، غير أن نائبا عن التحالف الكردستاني انتقد فشل البرلمان في إقرار تشريع للعفو العام بمقابل ضغط الحكومة على القضاء لإطلاق سراح دقدوق.
يقول السياسي المعروف مثال الآلوسي إن دقدوق ينتمي إلى مليشيات خارجة عن القانون وشاركت في قتل العراقيين. واضاف في اتصال مع "المدى" امس أن "دقدوق شخص غير عراقي وتم القاء القبض عليه لدخوله الى البلاد بشكل غير شرعي ولا يملك أوراقاً رسمية"، مضيفا أن "القوات الأمنية القت القبض عليه وهو في منطقة قتال ويعد من خبراء الارهاب وكان يقاتل القوات العراقية الرسمية".
واستغرب زعيم حزب الأمة أن يصرح المالكي بنفسه حول براءة القيادي في حزب الله اللبناني، متابعا "إذا كان دقدوق قد تمت تبرئته عن طريق القضاء فمن هم الشهود الذين شهدوا على براءته؟ هل استدعى المالكي القوات الأميركية والعراقية التي كان يقاتلها دقدوق"؟ معتقدا أن "الحكومة استعانت بشهود زور لتبرئة القيادي في حزب الله". وبحسب الوثائق الأميركية فان دقدوق متورط هو وعناصر من المجموعات الشيعية الخاصة الموالية لإيران في اختطاف وقتل خمسة جنود أميركيين في كربلاء، إلى جانب اتهامه بتدريب مسلحين عراقيين على كيفية استخدام قذائف الهاون وإطلاق الصواريخ.
وتلفت المعلومات إلى أن دقدوق كان يحمل أوراقاً ثبوتية عراقية (يشاع انها مزورة) منها بطاقة صادرة عن مجلس الوزراء تحت اسم حسين محمد جابر تمكنه من حمل السلاح بوصفه ضمن أفراد حماية المالكي.
الآلوسي قال أيضاً أن "المالكي يحابي إيران ويتودد لها بإطلاق سراح دقدوق ويفتعل الأزمات حتى يبقى في رئاسة الوزراء للمرة الثالثة والرابعة والخامسة"، مضيفا "لا يعتمد المالكي في إطالة بقائه على رأس السلطة عبر توفير الخدمات وإشاعة حرية الرأي والصحافة بل عبر خلق الأزمات المتعاقبة"، مشيرا إلى استخدام رئيس مجلس الوزراء قوات خاصة تحمل اسم دجلة موجهة ضد الأكراد وهو الاسم نفسه للحملات العسكرية التي نفذت ضد الأكراد في ستينيات القرن الماضي.
ويرى الآلوسي أن الإفراج عن دقدوق هو "ضمن مخطط المالكي لإثارة الأزمات والمشاكل لأنه وليد الأزمات"، متابعا "المالكي أثار ازمة البطاقة التموينية لكي ينهي الدليل الانتخابي، لان البطاقة التموينية هي عمود الانتخابات لاسيما وان البلاد لا تملك سجلا انتخابيا لا يعتمد على التموينية في الوقت الذي يخلو العراق من إحصاء".
وبات من المرجح أن تغضب هذه الخطوة الولايات المتحدة التي اضطرت إلى تسليم دقدوق للسلطات العراقية في كانون الأول الماضي بعد فشلها في إقناع بغداد بترحيله اليها بشأن دوره في عملية خطف تمت عام 2007 وانتهت بمقتل الجنود الخمسة.
وكان وزير الدفاع الأميركي ليون بانتيا قد قال لرويترز في وقت سابق من العام الحالي إنه تلقى تأكيدات من العراق بأنه لن يفرج عن دقدوق حتى بعد أن برّأت محكمة عراقية ساحته من هذه الاتهامات. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند للصحفيين "ما زلنا نعتقد أن دقدوق يجب ان يحاسب على جرائمه... مع إرهابيين آخرين نعتقد أنهم ارتكبوا جرائم ضد أميركيين، سنواصل اتخاذ كل الوسائل القانونية لنرى دقدوق يواجه العدالة على الجرائم المتهم بها".
في غضون ذلك استغربت القائمة العراقية سرعة الإفراج عن "دقدوق" فيما قالت ان الحكومة تماطل في إطلاق سراح المعتقلين العراقيين. وقال عضو القائمة احمد المساري لـ"المدى" أن "العراقية تستغرب من سرعة الإفراج عن شخص غير عراقي فيما ينتظر المئات من المعتقلين العراقيين في السجون".
ويؤكد المساري أن "جهات حكومية متواطئة في اطلاق سراح دقدوق المتورط بأعمال إرهابية".
وانتقد النائب عن القائمة العراقية ياسين العبيدي ما أسماها "الازدواجية في عملية إطلاق سراح المعتقلين"، مشيرا إلى انه في الوقت الذي يحرم المعتقلون الأبرياء العراقيون يتم إطلاق سراح القيادي في حزب الله اللبناني علي دقدوق.
وقال في تصريح صحفي سابق "انه في الوقت الذي تعترض بعض الجهات على تمرير قانون العفو العام نراها تتساهل في إطلاق سراح البعض وفق أجندات سياسية وهذا فيه تجن كبير على المعتقلين الأبرياء وعلى مشاعر العراقيين بشكل عام".
وطالب العبيدي الحكومة بإطلاق سراح الأبرياء وان لا يطلق سراح البعض ويترك الآخرون لتحقيق مكاسب سياسية".
إلى ذلك رفض النائب عن التحالف الكردستاني حميد بافي تدخل الحكومة في عمل السلطة القضائية، معتقداً أن إطلاق سراح دقدق جاء بضغوط حكومية على القضاء. وقال لـ"المدى" إن "الكثير من الجهات في العراق تشكو من تدخل الحكومة ومن ضمنها القضاء"، مؤكدا أن "مسؤولا عراقيا سابقا يعيش خارج العراق احضر الى المحكمة وتم الافراج عنه في دقائق معدودة، وهو متهم بقضايا فساد وإرهاب عبر صفقة سياسية"، في إشارة منه الى مشعان الجبوري الذي أكدت مصادر أن القضاء قام بتبرئته بعد ضغوطات حكومية مورست على المحكمة.
ومن جانبه اعتبر عضو لجنة حقوق الإنسان النائب عن التحالف الوطني علي شبر ان الافراج عن دقدوق جاء بأمر قضائي، مستبعدا وجود صفقات سياسية وراء إطلاق سراحه.
وذكر شبر وهو عضو كتلة المواطن ضمن المجلس الأعلى الإسلامي في اتصال مع "المدى " امس ان "الإفراج عن دقدوق جاء لعدم التثبت من التهم التي أطلقتها الولايات المتحدة ضده"، مضيفا " ان الموضوع قضائي بحت ولا وجود لصفقة سياسية بين العراق وأي دولة أخرى بشأنه".
ووصف السيناتور الأميركي جون مكين مؤخرا الإفراج عن دقدوق بأنه "عار" وقال انه يجب “اتخاذ الإجراءات المناسبة فيما يتعلق بعلاقتنا مع الحكومة العراقية".
فيما رفضت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند التعليق عندما سئلت عما اذا كانت واشنطن ستقوم بأي رد على الحكومة العراقية. وقالت إن الولايات المتحدة تعرب عن "خيبة أملها العميقة" للإفراج عن دقدوق لكنها قالت أيضا إنها تحترم نظام العدالة العراقي.
وقالت نولاند "ردوا علينا بأنهم ليس لديهم أساس قانوني للاستمرار في احتجازه".
وبقي مصير دقدوق مبعث توتر بين بغداد وواشنطن العام الماضي عندما كانت القوات الأميركية تتأهب للانسحاب من العراق.
وكان دقدوق قد اعتقل في آذار 2007، وادعى في بادئ الامر انه أصم أبكم. واتهمته القوات الأميركية بأنه عميل لفيلق القدس الإيراني وتقول انه انضم إلى حزب الله اللبناني في العام 1983.