صبيح الحافظمدخل..ان المنهج الذي أسير عليه في كتابة هذا الموضوع هو نفس المنهج الذي سرت عليه سابقاً وسأسير عليه في المواضيع اللاحقة وذلك نبش التاريخ من خلال فتح الأبواب المغلقة لخزائن المعلومات لاسترجاع الأحداث ورجالها الذين غيروا واقع العراق المظلم الى واقع مشرق.
وبحكم عمري الذي بلغ الثامنة والسبعين فأنني عاصرت أحداث العراق منذ ولاية الملك غازي وحتى يومنا، هذا جعلتني هذه المسافة الزمنية الطويلة قادراً لاستذكار مرحلة حكم الزعيم عبد الكريم قاسم. في 14 تموز عام 1958 حدثت ثورة وطنية قامت بها مجموعة من الضباط الأحرار برئاسة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم أنهى بها النظام الملكي الرجعي وأسس الجمهورية العراقية كأول حدث في تاريخ العراق وشكل الزعيم بوعي ثاقب ومدروس حكومة وطنية ائتلافية تضم جميع أطياف ومكونات الشعب العراقي من دون استثناء أو تهميش أية فئة.ورغم قصر فترة حكم الزعيم عبد الكريم قاسم البالغة (7-4) اربع سنوات وسبعة أشهر ورغم وضع المطبات والاهتزازات والعراقيل التي قام بها أعداء النظام الجمهوري بهدف إسقاطه ولكن التفاف الشعب والقوى الديمقراطية والأحزاب الوطنية أجهضت تلك الأفعال والمؤامرات بما فيها اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1959 الذي استمر في تنفيذ مشاريع اقتصادية وتنمويه في مجالات الصناعة والإسكان ومكتسبات أخرى لاتعد ولا تحصى، واهم هذه المكتسبات هو إصدار قانون رقم(80) وهو عنوان موضوعنا هذا.لقد ورثت حكومة الثورة حزمة كبيرة من المشكلات في قطاع النفط مع الشركات العاملة في العراق والتي تقوم باستخراج النفط وتسويقه بسبب الاتفاقيات الجائرة وغير العادلة والتي أبرمت في العهد الملكي تحت ضغط نفوذ تلك الشركات المدعوم من قبل حكوماتها مع ضعف موقف حكومة العراق آنذاك، مما دعى حكومة الثورة مطالبة تلك الشركات بإجراء مفاوضات لحل تلك المشكلات والتي أضرت بحقوق الشعب العراقي طيلة أكثر من (30) سنة مضت.وفعلاً فقد بدأت المفاوضات في 2/4/1961 وكان الوفد العراقي المفاوض برئاسة الزعيم عبد الكريم قاسم وعضوية كل من:1- الأستاذ محمد سلمان – وزير النفط.2- الدكتور طلعت الشيباني – وزير التخطيط.3- الأستاذ محمد حديد – وزير المالية.4- الأستاذ عبد اللطيف الشواف – المدير العام للبنك المركزي العراقي.اما الوفد المفاوض لشركات النفط يتألف من:-1- المستر هريج – المدير العام لشركات النفط.2- المستر ستيفنسن – ممثل شركة(شل).3- المسترفيشر – ممثل شركة سناندرد اوبل اوف نيوجرسي.وقد استمرت الاجتماعات بين الوفدين عدة أشهر وبتواريخ متقطعة بسبب سفر أعضاء وفد الشركات الى بريطانيا لعرض ما دار في تلك الاجتماعات من جهة، ومن جهة أخرى بهدف اخذ التوجيهات والصلاحيات وغيرها من الأمور الأخرى.ونظراً لتعنت الشركات والمماطلة والتسويف التي أبداها ممثليهم وعدم رغبتهم في حل المشكلات وإعطاء العراق حقوقه المشروعه ولنفاد صبر الوفد العراقي حيث تجلت له ان وفد الشركات مصر على عدم اعطاء العراق أي شيء من متطلباته حتى في الحد الأدنى منها ما اضطرت الحكومة العراقية إلى قطع المفاوضات وإنهائها حيث أصدرت وزارة النفط بياناً بتاريخ 17/10/1961 تعلن فيه نتائج المفاوضات وموقف الشركات التعسفي حيث تعمدت التسويف والمماطلة بقصد كسب الوقت للتحري والاستئثار بالمناطق الغنية بالنفط ولتنفيذ أغراضها دون الالتفات الى مصلحة الشعب ودون مراعاة وجهات النظر العادلة التي أبداها الجانب العراقي.وبعد توقف المفاوضات وإنهائها ورجوع ممثل شركات النفط الى بلدانهم أصدرت الحكومة العراقية بتاريخ 11/11/1961 قانون رقم(80) والذي يقضي بتجريد الشركات من جميع الأراضي التي لم تستخدم بعد في انتاج النفط وبنسبة (99,5) بالمئة من حقوق التنقيب المعطاة للشركات بموجب اتفاقات النفط.من ثمار هذا القانون وأهميته هو المحافظة على حجم وكمية الثروة النفطية والمخزونة في باطن الأرض وعدم استنزافها من قبل الشركات النفطية لمصالحها فقط، ولهذا فأن حق استثمارها عاد الى العراق حيث اصبح له حرية كاملة لمفاتحة شركات دولية أخرى والدخول معها في اتفاقيات عادلة ضمن مصلحة الشعب العراقي وهذا ما اظهر الآن وبعد مرور (50) سنة حيث تمت عملية التراخيص مع عدد من الشركات العالمية وفق شروط ومعايير عادلة ومنصفه، وخلاصة الأمر أن القانون رقم(80) أبقى الثروة النفطية على حجمها الطبيعي دون استنزاف، حيث من المعروف ان مادة النفط قابلة للنضوب بقدر الكميات المستخرجة من احتياطياته، كذلك أدى الى أبقاء سعة العراق الإنتاجية بمقدار ثابت وعدم زيادتها من الآبار التي استكشفت بعد حين ومنها حقول الرميلة والزبير وكركوك. اذن حافظ على كمياتها الى يومنا هذا مما أتاح الى الحكومة العراقية مفاتحة الشركات العالمية للدخول في اتفاقيات وجولات التراخيص الثلاث بهدف زيادة سعة العراق الإنتاجية لتصل الى 6-8 ملايين برميل يومياً في غضون 4 سنوات قادمة.
التدبير القاسمي يعطي ثماره بعد مرور (50)عاماً
نشر في: 15 يوليو, 2010: 06:01 م