عقيل عبد الحسينفي إطار الثنائيات الكثيرة التي يقوم عليها عالم وتقدم من خلالها المعاني والقيم تأتي ثنائية الحياة المكشوفة والموت الغامض التي تنتهي بها سيرة رجل عرف بالحيوية الفكرية وبإثارة الجدل والخلاف، رجل اسمه نصر حامد أبو زيد تعرض إلى التكفير والى حكم بالتفريق بينه وبين زوجته والفت كتب في الرد على آرائه وكتبه، واختار أن يعيش بسبب ذلك كله في هولندا..
وآخر ما تعرض له كان منعه من زيارة الكويت لإلقاء مجموعة من المحاضرات بدعوة من مؤسسة كويتية. وما أثاره ذلك من جدل داخل الكويت بدأ بين المثقفين والاسلاميين وكاد أن ينتهي إلى البرلمان. وهو أمر لم يكرهه أبو زيد بل رأى فيه عودة إلى الحياة التي يحبها. الحياة الصاخبة التي يحركها البوح المستمر بالرأي والموقف في اشد القضايا خطورة مثل قضايا الخطاب الاسلامي وقضية النص القرآني والشخصيات الاسلامية..1يرى نصر حامد أن أكثر التحديات التي تواجه كل الخطابات هو تحدي دخول المستقبل وتفادي لحظة الخروج من التاريخ. وعلى الكاتب ان يعمل من اجل تفادي تلك اللحظة من خلال الانتباه إلى الخطابات الأخرى والتفاعل معها. فالخطاب ينمو ويزدهر ويتطور ويتأثر بالخطابات الأخرى السائدة على اختلافاتها وخاصة تلك التي تصل إلى حد المغايرة فلا يوجد خطاب تنويري حديث إلا "وتأثرت أدواته المنهجية كما تأثر جهازه المفاهيمي ومفاهيمه التحليلية بأدوات واليات خصمه"(1). يتبنى حامد أبو زيد الخطاب التنويري ويراه خطابا قادرا على طرح المشكلات الملحة التي تواجه المجتمعات العربية والتصدي لها بالتحليل وتقديم الحلول لها فهو خطاب مواجهة وخطاب استفزاز وخطاب كشف وتقويم وهو خطاب عصري ينصهر في العصر الذي نعيش فيه ويريد مواكبته وهو خطاب مستقبلي خلافا للخطاب المغاير أو النقيض الذي يرى في الإسلام حلا ويرى العودة إلى الماضي والى العصور الأولى الذهبية منجاة وملاذا في مواجهة الآخر وكفره وماديته.ومن الواضح ان الخطابين، خطاب التنويرين ونصر حامد منهم والإسلاميين عامة، مختلفتان إلى حد التناقض ومن الطبيعي أن يمارس الخطاب الثاني اشد أنواع القمع مع الخطاب الذي لا يتماهى مع سلطته ومنطلقاتها الايديوليجية. القمع الذي تمثل بالوقوف ضد نصر حامد ابو زيد ومحاكمته وتفريقه عن زوجته في قضية حسبة مشهورة واضطراره للجوء إلى هولندا إبقاء على حياته.إن وعي نصر حامد أبو زيد بتأثير اختلاف خطاب الإسلاميين، هو وعي متأت من تجارب سابقة لكتاب آخرين كعلي عبد الرازق وطه حسين، وهو الذي قاده إلى تعميق اثر الخطاب الإسلامي وقمعه للوصول إلى الحياة الواضحة التي يعرفها الجميع ويعرف صاحبها سواء أكانوا من المثقفين التنويريين أم من الإسلاميين أم من الناس العاديين.. فالجميع يعرف قصة أبو زيد الشخصية ويلم بأطراف من طروحاته العلمية الخاصة بتاريخية النص القرآني وبإمكانية الاستفادة من تأويله الذي يتجدد ويصبح وسيلة من وسائل التطوير والتحديث والمعاصرة خلافا لما يعتقده الإسلاميون ويدافعون عنه من قدسية النص القرآني وتعاليه عن التأويل ليكون ذلك داعيا للرجوع إلى الماضي وللعيش في عصر السلف وتكفير الآخرين ومحاربتهم وإجبارهم على أن يدخلوا المجتمع الإسلامي متحررين من جاهليتهم.يعرف معظم الناس تفاصيل حياة نصر حامد أبو زيد الشخصية وبعض طروحاته العلمية شأنه شأن أي نجم تلفزيوني تستضيفه القنوات التلفزيونية ويتابعه قسم من الناس، وكل ذلك يعده نصر حامد انتصارا له حول انتصار خصومه إلى انتصار أشبه بالهزيمة "فالضحية التي تستسلم وتتراجع تبدو أقوى منهم". وهي اقوى منهم بوعيها بأن جهرها بآرائها يجعلها أكثر انتشارا وتأثيرا وقراءة ومشاهدة. ولذا يتمسك نصر بآرائه ولا يتراجع عنها رغم محاولات خصومه في ثنيه عنها كما فعل محمد عمارة المفكر الإسلامي المحسوب على المعتدلين وكان يحاول أن يقنعه بضرورة العودة عن آرائه الجريئة والتبرؤ منها ليضمن له العودة إلى حياته السابقة "هذا هو التفسير المعقول لحرص الإسلاميين على تفاوت اتجاهاتهم على أن ينالوا انتصارا بتراجعي عن اجتهاداتي"(2)2في كتاب نصر حامد ابو زيد هكذا تكلم ابن عربي يقول: "إن من الصعب على المسلم أن يفصل في خبرته الدينية بين التجربة الروحية وبين الأسس العقلانية التي تتبلور في وعيه تدريجيا عن عقيدته ودينه"(3). فالأسس العقلانية التي جعلت نصر حامد أبو زيد على ما هو عليه وحددت ملامح حياته الصاخبة المكشوفة للجميع وجعلته نجما ومثقفا ومفكرا معروفا لا يمكن أن تلتقي مع التجربة الروحية التي تأتي من المجتمع الذي نشأ فيه ومن نسيج الحياة الدينية اليومية في القرية المصرية ومن الأسرة الريفية المتواضعة ومن كونه واحدا من الناس الذين اختلف عنهم وتميز وبرز بأسس عقلانية قد اختلفوا معه فيها ورفضوه من اجلها وعرفوه بها.. وأية خبرة دينية!! إنها الخبرة الآتية من قصص الأنبياء وكرامات الأولياء وأحاديث الصالحين من أسلاف القرية والقرى المجاورة من حفظ القران والتردد على المساجد لإقامة الصلاة ومن حلقات الذكر بعد صلاة العشاء كل يوم خميس ليلة الجمعة وهي التي يطلق عليها الحضرات حيث ينتظم الكبار في شكل دائرة ويتحركون حركات موقعة ذات اليمين وذات الشمال مع ترديد الأناشيد بقيادة شيخ الحضرة. لقد ظلت تلك الخبرة كامنة وموجه
نصر حامد أبو زيد.. حياة مكشوفة وموت غامض
نشر في: 15 يوليو, 2010: 06:02 م