د. محمد حسين حبيب
“ العمل المسرحي مثل الحكومة ، هو نقاش حاد بين اطراف متساوية “
هكذا يصرح المخرج الاميركي بيتر سيلارز ، بعد انتاجه اكثر من مائة عمل مسرحي وتلفازي واوبرالي وسينمائي طيلة عمره الفني الذي استند على ايمانه ومبادئه التي تؤكد باننا
“ عندما نتحدث عن صناعة المسرح ، فأننا في الحقيقة نتحدث عن صناعة مجتمع “ ، وهو يركز ايضا على الدور الروحي في الحياة المعاصرة ، وعلى ان الفن الافتراضي هو جسر بين ماهو بشري وماهو الهي .
ومع ظهور التقنيات التكنولوجية المسرحية وتحديدا التقنيات الرقمية منها ، وكيفية استثمارها مسرحيا ، راح سيلارز يحذر من هذه الاستثمارات التي تكون في الاغلب منها عشوائية وفائضة عن الحاجة ، وبحسب شوميت ميتر و ماريا شيفتسوفا في كتابهما (أشهر خمسين مخرجا مسرحيا اساسيا) ، جاء بالنص : “ وقد اجتمع النضج المبكر والحماس عندما عمل سيلارز ( 1958 - ) كمخرج فني لفرقة شكسبير ببوسطن للمدة من 1983-1984 والمسرح القومي الاميركي في مركز كنيدي بواشنطن 1984-1986 وقد هجر سيلارز هذا الاخير بعد ان قاده الى جدال يتعلق بالخلاعة المشهدية والتجديد المتوهج (تجارب تكنولوجية) استخدام الات مسرحية مرئية ، حركات عالية ، تهريج واعمال ناقدة بشكل عال تتعلق باميركا المعاصرة “ .. من هنا جاء تحذيره في التعامل مع الرقميات الجديدة شريطة ان تكون في خدمة الفعل الدرامي والتحليق بفضاء الخشبة جماليا وفكريا ، وليس البحث عن زخرفيات مشهدية تسيء للمسرح ولعوالمه الدرامية الاساسية .
لقد اهتم سيلارز كثيرا بالوسائط المتعددة من اجل المسرح “ وتركيب شاشات التلفاز والكومبيوترات والصور ، وكليبات الافلام والصوت المضخم والميكروفونات والمعدات الاخرى في اعمال سيلارز لكي تتضمن العالم الحديث العامل في داخلها ، وهدفها ايضا ان تذكر الجماهير بالتأثير السلبي للميديا على حياتهم ، وان تحثهم على البحث عن انظمة معلومات بديلة وموثوق بها اكثر مثل المسرح نفسه “ .. وفقا لمثل هذه الطروحات نجد ان سيلارز مع و ضد هذه التكنولوجيا الرقمية شريطة انتماؤها للفكر الفلسفي المراد التاكيد عليه في هذا العمل او ذاك .
يعد سيلارز من القلائل الذي يهتمون بالاحداث والوقائع الكبرى المعاصرة في اي مكان او زمان ، فلهذا يلاحق هذه الاحداث ويسقطها اخراجيا على نصوص عالمية معروفة ، فمثلا ما قام به في اخراجه لمسرحية ( الفرس ) 1993 مرة اخرى - وبحسب ميتر نفسه في كتابه اعلاه - فقد هاجم فيها دور اميركا في حرب الخليج “ ، والحال نفسه في اخراجه لمسرحيات اخرى مسقطا فيها وقائع اخرى مثل اعماله : “ اوبرات موزارت الثلاثة له بنسخ مشابهة متعددة .. و اجاكس 1986 و لس برافانتس و الشاشات 1998 واطفال هرقل 2002 و سرادق النباتات “ وغيرها .