TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > هذا هو.. بريشت

هذا هو.. بريشت

نشر في: 16 يوليو, 2010: 04:44 م

سعدي عبد الكريمهو (يوجين برتولد بريشت) الذي أرتأى في وقت لاحق من حياته حينما ذاعت شهرته وسطع نجمه، كشاعر وكاتب مسرحي ومخرج وصاحب بوادر نظرية مسرحية جديدة ان يسقط من اسمه (يوجين) ليعرف بأسم (برتولد بريشت)
 في دور النشر وفي المنتديات وعلى مستوى اعضاء الفرق المسرحية التي كان يتعامل معها وعلى صعيد النقاد بوصفه شاعراً وكاتباً مسرحياً، ومخرجاً، وصاحب نظرية جديدة في المسرح الحديث.ابتدأ (بريشت) حياته الفنية شاعر نثر، وفي اواخر عام (1918م) كتب باكورة اعماله الدرامية، مسرحية (باخوس) التي عدت اول محاولة له للكتابة في فن المسرح وتتناول (باخوس) في ثيمتها وتطور احداثها اللاحقة، التمزق الداخلي والاحباط الذاتي، والتشتت الفكري، والنزعة الى الغربة داخل الذات، لقصة جندي يعود من جبهات الحرب، ليجد نفسه بين مصيره التائه، ونداء الجماعة، للرقي به فوق شتاته الذاتي.لقد كتب هذه المسرحية بأسلوب ينحى بدرجة أو بأخرى منحى (المدرسة التعبيرية) التي سادت المسرح الالماني في ذلك الوقت، وانتعشت ايما انتعاش عبر مسارحه المنتشرة في برلين، وكان بريشت قد كتب (باخوس) بلغة شعرية جميلة أخاذة، لتحلق بعيدا بشاعريتها المتألقة، لترقى الى سمو القصائد الطويلة الخالدة، لكنها سببت له انتكاسة مروعة، حينما لم يكتب لهذا العمل المسرحي (باخوس) أن يرى النور، ولم يعرض البتة على خشبة اي مسرح، من مسارح المانيا وقتذاك. ولكنه ورغم ذلك لم يعتره الاحباط والقنوط، وكانت محاولاته اللاحقة لخلق وطرح ومغازلة (الجمالية الواقعية الاشتراكية) في الدراما، قابلة للتميز والقبول، وربما للنقد في احيان أخرى، الا ان اهميته الفذة بوصفه كاتباً مسرحياً مجدداً، وفي المقام الاول بوصفه شاعراً نجيباً، لست هنا بوضع التساؤل او الاتهام المباشر او النقد لهذه القدرات الفذة، لكن الاشارة فقط الى قصائده الشعرية الطويلة الاخيرة التي اعتبرها النقاد من امهات الشعر الالماني في العصر الحديث، لكنه هو نفسه، اعتبرها خيبة امل مغلفة بالأحباط ومؤطرة بالأكتئاب حيال المثل العليا التي كان يؤمن بها في مرحلة شبابه المبكرة، وفقدان فورة تلك النزعة للتجديد الساكنة داخل جسده النحيل، الممتلئ بالحيوية، وذهنه المليء بالأفكار، والمجبول بشاعرية متقدة.آثر (بريشت) على رفضه لهيمنة (التزامه السياسي) فأسفر ذلك عن رؤية للعالم بشكل جديد آخر، بأعتباره هولاً شاسعاً، وبوبا رحيبا خصبا، وافقا متقداً بالافكار، مما ساعده هذا الخلاص من المحكم الايديولوجي (الالتزام السياسي)، الى الالتفاتة لذلك الافق الرحب المترامي الاطراف للعالم، لأيجاد، وخلق حيثيات رؤيوية جديدة خارقة، واثراء معرفي شامل، ونقد صارم، ومحاولات فعلية للتغيير، ومن ثم اخضاع كل ذلك التراكم المهول من المنظورات الشاخصة الخاطئة للمجتمع، والحاجة الماسة لـ (التغيير) عبر خشبة المسرح فبدأ في بث الروح في عروق نظريته الدرامية الحديثة.لقد ساعدته رؤيته الشعرية الأخاذة للأرتقاء بذاته ليسمو ويسطع نجمه كشاعر وكاتب سياسة، الا انها لاتتجاوز مقاصده، وبالتالي لم تنتقل بـ (الاستلال) لعموم الشخصيات في اعماله المسرحية لتشمخ بذاتها شخوصاً واعمالاً درامية عظيمة جعلت منه من افذاذ المنظرين، وكتاب المسرح الحديث، الذي لايتنازع عليه قلة محدودة من النقاد الا وأقروا على عظمته كاتباً مسرحياً مجدداً فذاً.لقد كانت طروحاته ونظرياته في (علم الجمال) تسمو منتعشة لتلج جوهر عمله المسرحي الابداعي، وفي ذات الوقت كان يحسبها معرقلة ومقيدة لعمله الابداعي، لكونها لاتترك له الخيار بالتنقل الحر داخل مناخاته الذهنية الفائقة، غير أن مأخوذه السحري الفطن الجديد (المسرح الملحمي) أنتشله من سديم ذلك الصراع العنيف، ليصار الى انموذج رحب خلاق لتتلاقح وتتزاوج داخله بنات أفكاره الخلاقة، بوصفه بديلاً جذرياً ضروريا ملحاً لـ (المسرح الدرامي)، لتبقى طروحته تلك، نظرية جديرة بالأهتمام وملاذاً شاملاً خلاقاً جذاباً على الصعيد (الجدلي) ومحطة جديدة للأبداع للكثير من المعنيين والمهتمين بالخروج عن طوق انماط النظريات (الكلاسيكية القديمة والحديثة) في فن المسرح.لقد عاش (بريشت) فترة حكمتها علائق صراع شديدة التوتر والهيجان الطبقي الفكري، حيث كان من اهم اطراف ذلك الصراع المحتدم فئات الجماهير العريضة المسحوقة، التي تحاول النفاذ من هيمنة قطاع عريض من الاحتكاريين الذين حرموا تلك الطبقات الفقيرة من ادنى درجات العيش الانساني، بل يحاولون اذلالهم واستغلال طاقاتهم الجسدية في ورش العمل والمصانع الكبيرة ليبقوا داخل عتمة ذلك الفقر المدقع ومستنقع الرذيلة والاحباط، وتقابلها من الطرف الآخر فئة كبار الرأسماليين، ورجالات الحرب الذين دفعوا اعدادا هائلة من الشباب في أتون الحرب بل يصل الامر للجم الافواه، والتعذيب داخل المعتقلات السرية لكبت اصوات الحرية لدى الشعب ومن خلال مجمل كل تلك الفئات المهيمنة على مصائر الناس، تنتعش فئة أخرى وسطية من الموظفين البيروقراطيين، ورجالات الدين، وغيرهم من المتنفذين، يبقى المجتمع الالماني آنذاك يرزح تحت نير تلك الشرائح المتسلطة على الرقاب والمنتعشة والمترفة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram