د.راجي عبد اللهلم يقتنع برتولد بريشت , الكاتب والمخرج والممثل , بشكل نهائي كامل بكل أعماله , فكان دؤوباً على رفض كل الأساليب الجامدة والجاهزة في كتاباته المسرحية وعروضه , مما جعله يلجأ إلى التشذيب والتصحيح في المشاهد المكتوبة والمنجزة على خشبة المسرح .
كل ذلك لم يأت بمحض الصدفة , بل تأتى من خلال التجارب الكثيرة التي مر بها , مستفيداً بذلك من منهج ( بيسكاتور ) الفكري الجمالي وطوره من خلال تجاربه على المسرح الجديد . إذن هو مسرح يحاكي الواقع ويتمرد عليه , ونظريته مغايرة تماماً لنظرية الواقعية التي أسسها ستانسلافسكي , فهما مختلفان تماماً , ولهذا يصعب القول بأن هنالك أي نوع من التقارب بين مسرح بريشت الألماني وبين مسرح ستاسلافسكي الروسي . وفي الحقيقة كانت ثورة بريشت على الواقعية بإعتبارها الحركة التي أدت إلى فصل الأدب المسرحي ( الدراما ) عن فن المسرح , وهي تلك الثورة التي لاتنفصل عن ثورة الفنانين التعبيريين الألمان .لكنها كانت في جوهرها تمرداً على النظرة التقليدية إلى الإنسان وشخصيته بإعتبارهما جزءاً لايتجزأ , فكل منهما يكمل الآخر . بيد أن المشكلة التي وقع فيها بعض منظري المسرح هي تركيزهم على أعماله النقدية وكتاباته أكثر مما يفعله .وقد تنبه هو إلى هذا الخطأ فكتب موضوعاً عام 1953 أي قبل وفاته بثلاث سنوات قال فيه 🙁 التفسيرات التي أقدمها لمسرحي , بل وكثير من الأحكام التي بنيت على هذه التفسيرات لا تتناول نصوص المسرحيات التي كتبتها , قدر ما تتناول المسرح الذي يتخيل النقاد أنني كتبته حين يقرأون دراساتي النظرية . والواقع أن نظرياتي أبسط مما يتصور الكثيرون . ولكن هذه البساطة لا تتضح للقارئ بسبب التعقيد الذي اتسمت به كتاباتي النقدية ) . لكننا عرفنا هذا المسرح بعد أن كانت الواقعية قد إنتشرت إنتشاراً كبيراً في أوربا واميركا , كذلك من خلال إزدهار السينما الواقعية, ثم سيطرة التلفزيون على ذهن المشاهد بما يحمله من أفكار إعلامية دعائية تعتمد أيضاً على الواقعية.وعليه فقد أصبح المخرج المسرحي ينتظر من كاتب النص أن يهتم بالجانب الأدبي على حساب جوانب العرض المسرحي . هذا هو الحال السائد في عصر بريشت الذي صدم في مطلع حياته الفنية , بعد أن رأى هذا الإنفصال الكبير بين المسرح الذي تقدمه الاعمال الواقعية الكبيرة وبين المسرح الجديد . بيد أن بريشت لم يكن يحارب الواقعية لمجرد أنها واقعية , بل بسبب كونها كانت تؤدي إلى تثبيت أنماط مسرحية معينة دون أي تغيير . كما أنه عندما تمرد على المسرح الأرسطي ( أي المسرح الكلاسيكي القديم ) الذي كان أرسطو يحدد ملامحه , كان يتمرد على معنى الدراما التي وصلتنا منذ ذلك التاريخ .وبالإستناد إلى رؤياه الفكرية والفلسفية فقد أراد بريشت أن يغيير هذا الواقع المفروض , من خلال تغيير نوعية السوك الإجتماعي الذي لا يمكن تغييره , إلا إذا تغير نوع التفكير البشري عن طريق تفاعله مع محيطه بطريقة مختلفة عن السابق . وكان هذا يستلزم منه أن ينقض فكرة المسرح الكلاسيكي ( الفنية ) عن ثبات الإنسان وثبات شخصيته , لأن الإنسان قابل للتغيير ومن ثم قابل للتغير, أي أنه يؤثر ويتأثر.وعليه فإنه غالباً ما يستند إلى هذه النظرية من مسرحية يكتبها إلى أخرى, مؤكداً أن الطبيعة الإنسانية يجب أن تتغير لأن الظروف قد تغيرت , وإن أفكار الإنسان ومشاعره يجب أن تكون منسجمة مع تلك المتغيرات . لذلك كان يريد من أبطال مسرحياته أن يظهروا أن الأوضاع القائمة بمجملها , يمكن أن تتغير وتتطور لأنها من صنع الإنسان . هكذا كان يفكر ويصرح في بداية حياته المسرحية عام 1931 . حيث كتب يقول 🙁 اليوم وقد أصبح من اللازم إعتبار الشخصية الإنسانية حصيلة الأوضاع الإجتماعية القائمة , نرى أن الشكل الملحمي هو الشكل الأوحد الذي يستطيع أن ينظم جميع العمليات الإجتماعية, وهي التي تشكل في الدراما - المادة - التي تمثل العالم خير تمثيل ) .وإنطلاقاً من هذا فإن بريشت لا يستطيع أن يقدم شخصيات خيالية أو غريبة ليست واقعية , لأن هذا سيؤدي حتما إلى حالة من التناقض بين ما يسعى إلى تحقيقه بنظريته وبين رؤيته إلى الواقع الإنساني وتعامله معه . لذلك فإنه نجح أيضاً في إيجاد وسيلة وطريقة أخرى للتعامل مع المسرحية نفسها , كذلك في تأصيل العلاقة الحيوية بين المتفرج والجمهور , تلك العلاقة التي تختلف كلياً عن العلاقة القديمة التي كانت سائدة من قبل والتي تعتمد على الأدب المسرحي في تحديد وسائل العرض المسرحي , مثل تلك الوسائل والتقاليد التي كانت سائدة في العصر الإليزابيثي في بريطانيا , حينما كان الجمهور يتفاعل مع العرض المسرحي, وفي نهايتها ينزل الممثلون إلى الصالة ليتحدثوا مع الجمهور ويستمعوا إلى الملاحظات التي يبديها عن العرض .كما إنه إستفاد من إستخدام الجوقة (الكورس) التي كانت إحدى أهم ركائز المسرح اليوناني , كذلك من عمل المهرجين في السيرك والكرنفالات الشعبية التي كانت تقام في مدن ألمانية عدة , إلى جانب إستفادته من العروض الصينية والهندية واليابانية .لقد كان يهدف من وراء ذلك إلى كسر الإندماج العاطفي بين الممثل والجمهور من ناحية , وكسر الإندماج بين الممثل ودوره أيضاً .إنها حالة من السي
ماذا قدم بريخت للمسرح العالمي؟
نشر في: 16 يوليو, 2010: 04:52 م