TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > برتولد برخت رائد المسرح الملحمي

برتولد برخت رائد المسرح الملحمي

نشر في: 16 يوليو, 2010: 04:55 م

عامر صباح المرزوكيعد برتولد برخت من اعظم الشعراء المسرحيين في القرن العشرين ، فكانت شهرته تصل إلى أنحاء العالم كافة ، حتى يمكن القول أن مسرحه من الثورات المهمة في تاريخ المسرح العالمي التي قلبت كيان المسرح من حيث الشكل والمضمون وقد تأثرت به اغلب المدارس المسرحية الحديثة .
عكست مسيرته الفكرية الأحداث المتلاطمة التي شهدها النصف الأول من القرن العشرين في أوروبا ، ففي ظل الفساد السياسي وغياب الوعي الشعبي في ألمانيا أيام الحكم النازي بلور برخت فكرته عن المسرح الملحمي كمقابل للمسرح الدرامي المعتاد وسعى من خلال هذا اللون المسرحي الى أن يخلق جمهوراً يستطيع التفاعل مع الأحداث ليتحرر من دوره كمشاهد سلبي .rnولد برخت في العام 1898 في (أوجسبورغ) جنوب ألمانيا ، وانتقل إلى برلين في العام 1924 ليعايش التطورات المعاصرة في مجال المسرح والأدب ، حيث شهد التاريخ الألماني عن قرب ، فابنه فرانك جُند في الجيش الألماني وقُتل في الحرب العالمية الثانية على الجبهة الروسية ، فهجر برخت ألمانيا في العام 1933 بعد وصول الحكم النازي إلى السلطة وأتخذ من الدنمارك منفى اختيارياً له وعاش فيها ست سنوات ، ثم قام بنزوح طويل عبر عواصم المهجر الإسكندنافية حتى انتقل إلى روسيا ومنها إلى أقصى الشرق حيث ركب باخرة ووصل إلى كاليفورنيا على الساحل الأمريكي الغربي هناك قضى بضع سنوات عصيبة ، شعر فيها بعزلة شديدة حيث لم تعره الحياة الثقافية الأمريكية أي اهتمام يذكر وفي خاتمة المطاف اتهمته لجنة مراقبة النشاطات المناهضة لأمريكا بالشيوعية وذلك أيام المكارثية الشهيرة . طبعت السياسة معظم أعمال بريخت المسرحية والأدبية وكان لكتابات ماركس وهيغل التحليلية بالغ الأثر عليه ، حيث استمد فلسفته من فلسفة كارل ماركس الذي يدعو فيها الى (فلسفة تغير العالم لا تفلسفه) . فحاول برخت خلال مسيرته الفنية مخاطبة أكبر عدد من الجمهور ، لإقناعهم بأهمية تحرير أدوات إنتاجهم من سيطرة رأس المال. أولى مسرحياته التي لاقت نجاحاً كبيراً كانت أوبرا “القروش الثلاثة” ، وتضمنت المسرحية نقداً لاذعاً لأوضاع النظام البرجوازي أيام جمهورية فايمر. وكان من الطريف أن تلقى المسرحية هذا النجاح والإعجاب من قبل من تعمد برخت انتقادهم مسرحية “أوبرا القروش الثلاثة” هي واحدة من أمهات الأعمال في المسرح الحديث ، ونادراً أن يوجد مسرح في العالم لم يقدم صياغة لها بشكل من الأشكال ، فنجد برخت يستخدم ثلاثة مصطلحات اساسية هي : التأرخة () والتغريب  والملحمة. المسرح الملحمي : ثار المسرح الملحمي عند برخت على كل القوانين المسرحية والقواعد التي ظل المسرحيون يسيرون بموجبها ردحاً طويلاً من الزمن فجاء برخت وأطلق على مسرحه (المسرح الملحمي) وادخل بذلك هذا المصطلح الجديد مجال الادب والنقد . برغم الطابع السياسي لأعمال برخت نجت هذه الأعمال من الفجاجة والمباشرة التي تعيب عادةً المسرحيات السياسية حتى برخت نفسه كان ينحى بنفسه جانبا عن الأيديولوجيات في أعماله الادبية ولم يعرف عنه القيام بتعليقات مباشرة صادمة ، فقد كان يفضل تجنب المواجهات الانتحارية مع الأنظمة التي كان يعيش في كنفها ، كما يلمح المرء عنده محاولة مستمرة لمراجعة وتنقيح أفكاره وعدم الارتكان على فكرة واحدة منتهية كما ان مسرحياته الملحمية تسعى إلى تحفيز الجمهور على إمعان التفكير حتى يُكوّن وعياً خاصاً به تجاه ما يراه . فرفضت نظرية المسرح الملحمي عند برخت مبادئ المسرح الدرامي أو الارسطي فأصبحت المسرحية مشاهد غير مرتبطة مستغّنياً بذلك عن الآثار التقليدية مستخدماً الاغاني كعنصر متكامل ، كما أهمل فكرة ان الدراما يجب ان تبحث عن خلق وهم للحقيقة أي (التطهير) لذلك نجد موضوعاته ضد الرأس مالية وبعضها الآخر ضد النازية وبعضها الآخر مرتبط بشكل مباشر بالفكر الشيوعي . كما تمتد أفكار المسرح الملحمي إلى دور الممثل على خشبة المسرح ، محاولة تغيير طابع وظيفة الممثل من مؤدٍ إلى عنصر إيجابي في المسرحية ، حيث كان برخت يدعو ممثليه إلى جعل قدر من المسافة بينهم وبين النصوص واتخاذ مواقف نقدية منها أثناء أدائها وليس فقط تكرارها بشكل ميكانيكي . عاد برخت إلى برلين في العام 1949 وشارك في تأسيس المسرح البرليني أو برلينير انسامبل (Berliner Ensamble) واصطدمت بعض أعماله مع العقلية البيروقراطية لموظفي الهيئات الثقافية ، حتى أن بعض أعماله رفضت. في اواخر حياته استطاع تأسيس مسرحه الخاص ، وفضل استثمار معظم وقته في التركيز على كتابة أعمال جديدة وإخراجها للمسرح ، وفي تلك الفترة نجح برخت في اجتذاب عدد كبير من المواهب إلى مسرحه فأصبح المسرح مصنعاً للأفكار الجديدة . ومن اهم أعمال برخـت : (الأم شجاعة ، دائرة الطباشير القوقازية ، جاليلو ، بنادق الأم كرار ، الانسان الطيب ، السيد بونتيلا ، طبول في الليل) . توفي برخت في العام 1956 عن عمر ناهز الـ(58) عاماً ودفن في برلين تاركاً وراءه ما بنـاه طوال هذه السنين من منفعة فنية عرفها كل من دخل عالم المسرح.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram