طالب عبد العزيز
هناك ما نحلم به دائما، ويتكرر في الليل والنهار، نحبّه ونفتقده إذا غاب، مع انه حلم، ليس إلا. وهناك ما كنا نعتقده صائباً، فذهبنا اليه بكل قوتنا، وربما غامرنا في سبيل تحقيقه، لكنْ، تبيّن لنا انه الخطأ والخطيئة، وأيضا، هناك ما نريده دائماً، لكنه ظل بعيد المنال، الآن يقطعنا الامل باقتنائه، مع أننا لم نلمسه حتى. وكثيرة هي الأيام التي انفقناها بانتظار من لم يأت، وهناك من مددنا الايدي اليهم، لكنهم ضلوا في الطرقات...تركنا أيدينا ممدودة لهم، ثم ماتوا عنها.
وهناك من أحببناهُ، ومن تعلقنا بحبال ودِّه، لكنه أغفل محبتنا، مع أننا لا نملك غيره، ولا نعرف كيف تستبدل القلوبَ بالكعوب. حدائق وبساتين وثياب ومقاعد كثيرة أردناها يوما لمسراتنا، كنا قد احتفظنا بها طويلاً في خزانات الليل والنهار، وبين طيات الثياب، وقناني العطر الفارغة.. لكنها تفسخت بالنسيان، يا لها من حياة لم تحقق حلماً لنا، أحلامنا البسيطة تلك ينادي بائع الخردوات عليها صباح ومساء كل يوم.
تعالي، قولي لي شيئاً لم تقل النساء به من قبل. اسمعيني ما لم اسمعه من امرأة قبلك. أريني ما لم أره في كل النساء، اللواتي عبرن الجسد الى اللغة. تحدثي بلسان العرب والعجم، أيِّ لسان، سأفهمك. اريني الجسد الذي لم يتكرر بامرأة سواك، والنهد الذي لم يفزعني طائر سواه، وخذيني الى الترعة التي لا يعود أحدٌ منها، الى الشفة المغموسة بالنارج، التي لم يتلمظ بها أحدٌ من قبل، الى الساق التي لا تذبل بالعدو، ولا تهدأ بالسرير، الى الذراع التي تتعطل تحت عنقي، ولا يشغلني عنها الموت، الى الغربة التي تنام في الحلم الى الصباح، الى الستائر التي لا يخدش حياءها الضوء، حيث ينام عاشقَين.
ذات يوم قالت لي إحداهن: كنتُ ساوقدُ المصباح لولا أنك أضات فمي بقبلة. وكنت سارتدي قميصي للنوم، لولا أنك جرّدتني من ثياب الضجر كلها. وقبل ذلك كنت سأرش العطر خلف أذني، لكنك همست بها: أحبكِ. كنت ساجعل السرير قرب النافذة، لكنك طرقت الباب، فسقطت الستارة فجأة. كنت ساخلع حذائي، لكنني نسيته، ولم أجده في الصباح تحت السرير! اعددتُ كأس النبيذ، وكيس المحارم، قبل أن تطرق الباب، من أفرغ الكأس؟ من قذف بكيس المحارم؟.
كنت سأريك الوشمَ الذي على كتفي، نقّارَ الخشب الصغير، لكنك تعجلت الذهاب الى عشبة الخلود، وكنت سأقرأ عليك الفصل الاول من الرواية، التي كتبتها البارحة، لكنك ذهبت الى فصلها الاخير، وكنت سأريك الدمع، لولا انك استعجلت، وشربته مع القبل والكركرات، كل الأشجار التي ظننتها بنفسجاً كانت دفلى، والله، لهذا ما كنت واثقة من الليل. ولا طالعة من النهار.كنت سامسح عنه الغبار، قلمَ الكحل الذي فقد لونه بغيابك. وجودك في الشرفة ذلك ما كنت افتقده دائماً.
لكل الزجاجات في البحر رسالة واحدة. لا يتهدم المنزل بموت أحد نزلائه، كنت ساتلفها بالانتظار الساعة في محطة القطار. القاربُ الذي سأبُحر فيه لذراعيك، لم اختر مساميره بعد، لكنني، سأشيده من الخشب، أو من الدموع. تاخرتْ كثيراً قبلة الحياة، التي وعدتني بها. في حفلة التنكر، قليلاتٌ هنَّ اللواتي لم يخلعن حمّالات صدرهن. انا لا أصلُ، أنا أمشي حسب. الانتظار لا يعني بأنَّ أحداً ما سيأتي.