عامر القيسي خاضت المدى معركة حقيقية مع بعض العقول في المؤسسة القضائية العراقية ، والتي ما زالت تعتقد حتى اللحظة ان تغييرا ما لم يحصل في العراق، وان القطار العراقي الحالي هو نفسه قبل 9/4 /2003 ، وان الاعلام العراقي الذي كان الاكثر سرعة في الاستجابة للمتغيرات هو نفسه ولم يشاهدوا عشرات الصحف ومثلها من الفضائيات وغيرها من المجلات .
هذه العقول ما زالت تعتقد ان الاعلام ليس الا أداة للتطبيل والتهريج ومسح الاكتاف والتزلف للحصول على قبول وبركات السيد المسؤول، وما زالت تعتقد ان الحكومة بعبعا لايمكن التقرب منه أو المساس به،لان طرق السجون والمشانق وسوح الاعدام معبدة لاصحاب الكلمة الحقيقية والشجاعة. والمدى خاضت منذ البداية معاركها النبيلة من اجل الاهداف التي ولدت من أجلها والمشروع الليبرالي الديمقراطي الذي تسعى للمساهمة في بنيانه مع الذين يؤمنون بان عراقا ديمقراطيا حرا اتحاديا يمكن ان يقوم على قدميه وسط منطقة تعج بالدكتاتوريات والانظمة الاستبدادية والوراثية. فكانت المواجهة الاولى ضد الفساد والمفسدين ، فتساقطت الاقنعة عن الوجوه والشعارات التي كانت تعتاش على آلام الشعب العراقي من اجل حفنة من الدولارات " كوبونات النفط " سيئة الصيت. شخصيات ادبية وسياسية واجتماعية واعلامية ودول وشركات، نشرت المدى غسيلهم القذر امام العالم دون خوف رغم الوضع السياسي والأمني السائب بعد التغيير والذي كان من الممكن ان يعرضها مع منتسبيها الى الكثير من الأذى. واستمرت المدى على نهجها في محاربة الأفكار الطائفية والظلامية والمتشددة على كافة المستويات، الدينية والقومية والسياسية، وقدمت نفسها كمشروع ديمقراطي ليبرالي التحق بركبه ونهجه الكثير من المثقفين والاعلاميين العراقيين والعرب ، فكانت اسابيع المدى الثقافية التي احتضنت المئات من حملة الفكر التنويري الليبرالي لدعم مسيرة العملية السياسية في العراق ومشروعها الديمقراطي الفتي ،وغيرها من الفعاليات بهدف تنشيط الحراك الحياتي على كافة الصعد والمستويات . وتعرضت المدى بسبب مشروعها هذا الى استهدافات مباشرة من القوى التي وقفت في الضد من المشروع العراقي الجديد، والتي ناصبته العداء منذ لحظات انفلات الارادة العراقية من قيود الاستبداد الصدامي وملحقاته التي مايزال من تبقى على نهجه يعرقل انطلاقة هذا المشروع. المعارك التي خاضتها المدى فتحت ابوابا واسعة ومشرعة لمشاريع اخرى ان تتجرأ وتفتح نوافذها لتساهم ، بالقدر الذي تستطيع، في انهاض العراق على اسس صحيحة وبناء تجربة عسيرة ومعقدة وشائكة ومطلوبة للذبح من قبل الحرس القديم ومن يركب مركبهم، باختلاف الوجوه والتسميات والرايات والشعارات والألوان! واعتقد البعض ان بامكانه الأتكاء على قوانين صدامية تلجم صوت الحقيقة ،في ايقاف مسيرة المدى أو التأثير عليها وعلى مشروعها الحضاري الليبرالي ، لكن ارادة المواجهة والتكاتف الذي حظيت به المدى في معركتها الأخيرة مع الخلايا النائمة للفكر الصدامي ، قد عززا مكانة خطابها الاعلامي التنويري، وخلفت مواجهاتها آثارا ايجابية على مجمل التحرك الاعلامي فكان صوتها حاضرا في كل الفعاليات الاعلامية بل وحتى السياسية ، وهذا مايبعث فينا الفخر في ان ما نقوم به من عمل يلقى الاستجابة وهو في الطريق الصحيح، طريق العراق الديمقراطي الفدرالي الموحد.
كتابة على الحيطان ..الحقيقة والغربال
نشر في: 16 يوليو, 2010: 08:28 م