لاري سولومونLarry Solomonترجمة ياسين طه حافظ* "ما بعد الحداثة" مفهوم متغير. طبيعة ووصفُ ما بعد الحداثة تغير خلال العقود الخمسة الأخيرة. وبتغير حركة المفهوم تغيرت آراء المتخصصين به ولم يتفقوا على تعريف. مفهومات مختلفة عرضت في النظرية التفكيكية (دريدا ولا كان)، وفي الفكر السياسي (فوكو) و في النظرية الاجتماعية (بودرياد) وفي المعمار (جنكس) وفي الادب (بارت) وفي الفلسفة (روتري)...الخ.
بعض هذه النظريات اوربية الاصل وتنعكس على ما كان اصلا ظاهرة امريكية، فاكدتها عملياً. كانت نتيجة ذلك طبخة من الحشو التفكيكي الذي لايكاد يفهم حتى من اولئك الذين يعتبرون ممارسين حداثيين.لا اريد ان اشن هجوماً على نقد الادب ولا حتى ان الخص النظرية، فهي اقرب للتشويش منها الى الوضوح. بدلاً من ذلك، آمل ان اقدم وجهة نظر مبسطة ومباشرة لبعض المفهومات التي جعلتنا نعي اننا لم نعد نعيش في العصر الحديث Modern بجماليات حديثة. الحداثة صارت ذخيرة من الماضي. هذا يعني اننا نعيش في عالم جديد، عالم لا يعرف كيف يعرف نفسه بما هو موجود ولكن بما قد كفّ عن ان يكون. شيء جديد ومختلف يجري. ولأن الممارسة ما تزال مستمرة والتمرين على ذلك مستمر، فما نزال نستنبط جديدا، من الصعب اذن ان نحدد تعريفاً.هذا التحول في مجموعة "الصيغ" هو ما يدعى الان بـ "ما بعد الحداثة" هذه التسمية التي صارت الان عنواناً مقبولاً. صيغ ما بعد الحداثة بذرها عنصران قويان هما1- بطلان سحر عقائد التنوير 2- صعود الثقافة الكونية. التنوير، وهو منطقة ايمان بالعقل والعلم، بوصفهما مصدرين للحقيقة، بدأ مع النهضة ووصل مرحلته الاخيرة مع حداثة أوائل القرن العشرين. انتقل مركز القوة في هذه المرحلة من الكنيسة الى الارستقراطية والملكية فافاد اصحابها الذين افادوا من جهة كحماة ومعنيين ومن جهة اخرى كاسياد وغزاة. هم ساندوا خط النظريات الاجتماعية والعلمية من "كانت" و "هيجل" الى "شوبنهاور" و "نيتشه". الاخير اعلن موت الله وان سباقاً للمتفوقين (السوبرمانات) قدر لهم من الان ان يحكموا العالم. هذه وسواها من الافكار، كالفهم الدارويني "البقاء للاصلح" والتنافسية، مهدت جميعها لنظرية اجتماعية وغذت عجرفة الارستقراطية الصاعدة والكولونالية وحربين عالمتين.العصر الحديث- أوائل القرن العشرين- كان المرحلة الاخيرة للتنويرية الاوربية. انها تمثل اوج قرون من التقدم في حقلي المعرفة والثقافة. العالم "المتنور" اعني التنويري، كان عالما يحكمه الملوك والدكتاتوريون. كانوا يفرضون منظومة طبقية تؤمن بتقدم الحضارة من المنطلقات البدائية. فهو اذن زمن لعلم مختزل وعقائد حاكمة. وهو عصر اكتشاف، غزو، امبريالية وكولونيالية. لقد جاء الغزو ليكون منسجما، جزءا، من المبدأ الطبيعي: "البقاء للاصلح". "اطفال" التنوير اعتنقوا ايمان "عالم النيوتونية" ذلك العالم الذي سيتم فرزه والسيطرة عليه كاملا، اذا ما وظفت قوانا الى آخرها في التربية والاستقراء، واذا ما استطعنا ان نبقى موضوعيين ومستقلين. عموما، النظريات المجردة كانت متفوقة على المتابعات الذاتية. لكل تأثير سبب. وكل شي يمتلك سبباً. والكون ماكنة "تصميمية" هائلة خلقها اله واحد، هو الاله المسيحي.. القرن العشرون، الذي اريد له ان يكون اكثر تحضراً، كان بالضرورة، ولتلك الاسباب، الاقسى والاكثر دموية في التاريخ البشري . اكثر من خمسين مليون انسان قتلوا في الحرب العالمية الثانية وحدها. قنبلة نووية صنعها العقل الجديد سببت دمارا منفلتاً اودى بعشرات ومئات الالوف من الناس في ضربة واحدة، فضلا عمن قتلوا في حروب سابقة. هكذا هو العالم الذي ازدهر فيه التنوير حتى وصل اوج ازدهاره. كلتا الحربين العالمتين أثارهما دكتاتوريون متغطرسون وغزاة اعتقدوا بان جنسهم هو المتفوق على الاخرين وانهم يستحقون الحصة الأعظم من العالم بل العالم كله. الحرب العالمية الثانية ابتدءها دكتاتور يحمل في رأسه قانونا وحشياً يصلح حقل دراسات. على أية حال، يبدو لي ان "ايهاب حسن" يستحدث مصطلح "اللاتحديات" لكي يصف او يعرف الحداثة. لقد لاحظتَ، أرسلت لي ملاحظة، تسألني ان اشرح لك شيئاً عن العروض الأولى التي أشارت لما بعد الحداثة. يبدو لي ان المابعد الحداثة تؤكد على مركزية كل شيء وانها تشق طريقها بصعوبة الى كل فكرة لتقول بوجود مركز فيها. "الله مثلا". ان تعريف أي مصطلح يعني اعطاءه مركزا معيناً. rnالى هنا ينتهي رد سولومون وينتقل النقاش الى مجموعة من المهتمين بالموضوع. نواصل ترجمة افكارهم وتعقيباتهم عن مصطلح ما بعد الحداثة وإبعاده.
ماذا تعني ما بعد الحداثة
نشر في: 17 يوليو, 2010: 04:55 م