لطفية الدليمي«فيلمي يدعو إلى فتح الأعين ورؤية الآخرين على حقيقتهم واحترامهم، حتى ولو كانوا مختلفين، على أمل أن نجد طريقا للحماية من التصادم والعيش بانسجام في هذا العالم». (جيمس كاميرون مخرج فيلم آفاتار )
لو قرر مخرج «آفاتار» جيمس كاميرون أن يرشح نفسه لرئاسة جمهورية الضمير، فقد يحصل على أكثر من مليار صوت بشري؛ يختاره المضطهدون والمحرومون ومعاقو الحروب وأراملها وأيتامها وجياع أفريقيا والنساء المحاصرات بالعنف الذكوري في الحرب والسلم ، يختارونه ممثلا للضمير الإنساني، ومبشرا بالتواصل الروحاني بين موجودات عالمنا المهدد بالزوال، ولسوف تحتفي الأرض به كمدافع عن ديمومتها،وتحتفي به الطبيعة شجرا وكائنات أخرى وبحارا وزهورا ، وتحتفي به احلامنا الانسانية المستحيلة ، لو يحدث أن يرشح نفسه فسيعلن برنامجه الداعي لإحلال السلام وحماية بيئة الأرض واحترام الطبيعة، وحتما سيتضمن مشروعه لادارة الكوكب الأرضي إيقاف مصانع الأسلحة والكيمياويات الفاتكة وتوظيف الأموال الهائلة التي تستنزفها تلك المصانع في الترفيه عن البشرية واسعادها، وإنشاء مسارح وقاعات للتدريب على التواصل بين الناس والترابط الروحاني بينهم وبين الكائنات الحية؛ كالغابات والأنهار والجبال والشلالات والغيوم والنجوم، وسوف يعدنا جيمس كاميرون بإيقاف الحرب ضد الإرهاب، فطالما لم تعد هناك حروب استنزاف للبشر وموارد الأرض وخيراتها الدفينة، فإن قدرا كبيرا من العدالة والسلام والوفرة سوف يسود عالمنا المضطرب، فتختلف ردود أفعال الذين جرى تجهيلهم وحرمانهم من الوعي والمعرفة، وغسلت أدمغتهم فاتخذوا سبل الإرهاب وسيلة لتدمير من لا يماثلهم، وقد يخضع جيمس كاميرون العاملين معه في قيادة دفة الضمير العالمي إلى اختبارات علمية ونفسية، ليتأكد من امتلاكهم ضميرا أخلاقيا يؤهلهم لتوظيف قدرات العلم والمعارف الحديثة لخدمة رفاه الإنسان والاعتراف بحقوقه وكرامته مهما كانت هويته أو دينه أو لونه، وليطبقوا لائحة حقوق الإنسان في جهات العالم، ولا أستبعد أن يطلب كاميرون من وزراء جمهورية الضمير إقرارا موثقا بنبذ جميع الأيديولوجيات التي سادت عصرنا، وإدانة التعصب الديني والعرقي والقومي، وأن يقروا بعدم وجود حقائق مطلقة ونهائية، بل ثمة تغيرات دائمة وحوارات تقود إلى تقارب الرؤى، وأعمال تفضي إلى ترسيخ قيم معاصرة، وسوف يحمل سكان الأرض هوية إنسان من العراق او الصين أو إنسان من لبنان أو إنسان من أميركا أو إنسان من الكونغو، ولا تحتوي بطاقة الهوية أي تصنيفات أخرى أو تقسيمات تؤكد الفوارق بين البشر. وأتوقع أن يضيف جيمس كاميرون إلى منظومة الضمير عددا من حكماء العالم وعلمائه ومفكريه الذين يعملون معا على تفكيك ما تبقى من التحجر الأيديولوجي في ذاكرات الأجيال الجديدة، يمحون ظلال المكارثية والطائفية والنازية والفاشية ودوغما القطيع ، ويعالجون مناهج التعليم ببرامج تنويرية تحرك العقول وتحظر التلقين وتحتفي بالمبادرات والإبداع الفردي، وتساعد على إنضاج الشعوب المحرومة من الحرية والحقوق الإنسانية لتتقبل النظام العلمي - الروحاني الذي يضم العالم المتصالح تحت قوة جناحيه الرؤومين. هذا بعض تصور يوتوبي في اللامكان واللازمان أثاره فلم «آفاتار» الذي كتبه وأخرجه جيمس كاميرون، وقدمه للعالم كتحفة فنية مذهلة تنادي بالسلام والعدالة والحفاظ على البيئة، وحظر استنزاف الموارد الأرضية والكوكبية. لفترة طويلة كنت مهمومة بفكرة اليوتوبيا، وتصديت لمقاربتها بروايتي (من يرث الفردوس)، التي كتبتها 1985، وصدرت في القاهرة 1987، وتناولت فيها ما أدعوه (الأنتي يوتوبيا)، أي استحالة تطبيق النظريات المثالية عمليا على أرض البشر، وانطوت الرواية على نبوءة انهيار النظم الشمولية وظهور صراع الإرادات بين نظام السوق والمثال اليوتوبي الهش ثم نكتشف أن تلك اليوتوبيا حملت في أحشائها بذور تناقضات وعيوب المجتمعات التي انحدر منها سكان الحصن الهاربين من مدنهم الظالمة ، وتنهار التجربة إثر صراعات دموية على السلطة والمكانة والثروة، وكما ذكرني فلم «آفاتار» المدهش بحلمي اليوتوبي في روايتي، دعاني إلى استذكار فيلم (ديرسو أوزالا) الفائز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي لعبقري السينما اليابانية (أكيرو كيروساوا)الذي شاهدت معظم اعماله ، واوزالا إنتاج ياباني روسي مشترك، عرض أواخر سبعينيات القرن الماضي، وكان تحفة فنية باهرة الجمال في تمجيد علاقة الإنسان بالطبيعة، ودفاعه عن البيئة حتى الرمق الأخير. سنرعى حلمنا الإنساني ببعض يوتوبيا ، ولن نعدم أضداداً يتربصون بحلمنا وسننتظر أمثال جيمس كاميرون ليؤسسوا جمهورية الضمير ..
قناديل: فيلم افاتار والنزعة الانسانية الفائقة
نشر في: 17 يوليو, 2010: 05:01 م