علي حسن الفوازمع الذكرى الخامسة عشرة لوفاة عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي، نستعيد الكثير من الاسئلة التي تتعلق بطبائع الاجتماع العراقي، وانعكاس ذلك على البيئة العراقية وعلى الشخصية العراقية، اذ ان انشغالات الوردي باستقراء هذه الطبائع وتوصيف اثارها السسيولوجية على المدينة
وعلى الوعي، وعلى تشكيل العلاقات والانماط داخل بيئاتها المتعددة، ناهيك عن اشتغالاته على موضوعات الشخصية العراقية والجماعة العراقية، باعتبار ان هذين المكونين هما اكثـر اقترابا من مجال دراسته للاجتماع العراقي. خاصة وان الكثير من الظواهر الاجتماعية والسياسية التي شهدتها الحياة العراقية منذ عقود تستدعي اعادة فحصها في ضوء انشغالات السسيولوجيا بالشخصية والبيئة والجماعة، ومن ابرزها ازدواجية الشخصية، وتريّف البيئة العراقية، وتشظيات الجماعة العراقية. rnان استعادة ظاهرة الوردي الثقافية والاجتماعية في هذا السياق، يعني استعادة قراءة الاثر الذي ارتبط بالتحولات الاجتماعية العاصفة التي شهدها الواقع العراقي، بدءا من انهيار الحكم العثماني ، ودخول العراق مرحلة الدولة الوطنية، اذ(هو من الناس الذين وجدوا فرقا بين الحكم العثماني والحكم الذي جاء بعده، فقد كان الحكم العثماني غاشما الى ابعد الحدود، ولم يكن ذلك بسبب سوء نية الحكومة العثمانية، بل بسبب انحطاطها) وانتهاء بالتصدعات الكبرى التي بدأت تنشأ جرّاء(الصراع بين بيئة اجتماعية قديمة وبيئة اجتماعية جديدة والتي ولدت تناقضات جديدة)2.هذه التناقضات انعكست على انتاج ظواهر وصراعات جديدة ومغايرة، من ابرزها تغايرات في البيئة وفي الافكار وفي بعض العادات، مثلما انعكست على ظواهر انهيار الكثير من بنيات المدينة التقليدية، وتريّف الكثير من ملامحها، واستشراء عقدة العنف السياسي والاجتماعي، وتعثر دور المؤسسة الدينية في مواجهة تحديات هذه التغايرات التي اقترنت اساسا بمجموعة كبيرة من التحولات الاجتماعية، خاصة في مرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية، وظهور اشكال من التشكلات السياسية، والنقابية، والثقافية، وصعود المد الثوري ذات النزعات الوطنية، فضلا عن بدء الهجرات من الريف الى المدينة، او من البادية الى المدينة، بسبب تردي الاوضاع الاقتصادية في هذه البيئات، وازدياد اشكال الاضطهاد الاجتماعي للفلاحين، وطبعا تسببت هذه التحولات والهجرات في احداث تغايرات سسيولوجية ضاغطة على هوية المدينة، وعلى هويات القوى الاجتماعية المهاجرة، خاصة وان الكثير من المهاجرين قد انخرطوا في بيئة المدينة وعملوا في هامشها الوظيفي والخدماتي والتجاري وفي مراحل لاحقة في متنها السياسي والعسكري، والذي انعكست بعض تراكماته على شكل هوية الدولة والمؤسسة السياسية والمؤسسة الحزبية وحتى المؤسسة المدنية في مراحل لاحقة.ومن هنا تأتي اهمية الدرس الذي تركه الوردي، والسؤال الذي اثاره، وطبيعة النظر الذي اسبغه على هذا الدرس، خاصة وان الوردي قد نهل من العلوم الحديثة ومنها علماء الاجتماع الاميركان الذين درس على ايديهم في جامعة تكساس، اي ان درس الوردي تحول الى معاينة تاريخية وعلمية للتحولات التي يعيشها مجتمعه العراقي، خاصة عبر تمظهرات صراعات قواها الجديدة، تلك التي وجدت في معارك المجددين والمحافظين مجالاتها الواسعة، والتي لامست قضايا مهمة تدخل في سياق الصراع مابين الحداثة والسلفية، ومنها الصراع بين البداوة والحضر، وبين دعاة السفور والحجاب وغيرها. كما ان اهمية درس الوردي تعني ايضا معاينة معطيات ماتركه هذا الاثر من تغايرات مثيرة للجدل في الواقع العراقي السياسي، وعلى طبائع القوى السياسية، وعلى انماط العلاقات بين هذه القوى.، ونقده للسلطات، وللظواهر الاجتماعية التي ينشأ فيها الفرد بكل تداعياتها النفسية والسياسية، اذ كان الوردي يكره السياسية، فهو يقول(اني اكتب في تاريخ السياسة لافي السياسة نفسها، فتاريخ السياسة يدخل في مجال العلم ويمكن دراسته موضوعيا في ضوء الوثائق والمخطوطات والروايات التي تظهر بمرور الايام)3 46 من اكثرالمحاور استهدافا في اشتغالات على الوردي كان محور الشخصية العراقية، واستقراء طبائعها وعاداتها وحتى تناشزها وازدواجيتها، لكن هذه الاستقراءات اثارت الكثير من الجدل حول تشخيصات الوردي وحول استنتاجاته وطروحاته، وعلاقة ذلك بالتاريخ وبالمنهج العلمي. فهل كانت الشخصية العراقية هي الوحيدة التي تملك تاريخا واساطير ومثيولوجيات من العنف؟ وهل انها الاكثر استغراقا في مزج هذا العنف بالسحر، وانها المتفردة في ايجاد هامش اخلاقي وتربويا لهذا العنف في نصوص الدرس التعليمي وفي نصوص السلطة والتقديس؟ وهل ان الديانات الشرقية القديمة وثقافاتها كانت تؤله العنف باعتباره شكلا مقدسا للقوة وسيطرة الرمزية الابوية الذكورية على الوجود والانوثة ؟ وهل ان هذه المورثات هي المسؤولة عن صناعة المجال التوليدي لاستمرارية انتاج القسوة وسردية الحاكميات والحكومات، تلك التي وجدت في فرض عنف السلطة ضرورة للدفاع الغريزي عن نوعها وعن ذكورتها القهرية؟احسب ان هذه الاسئلة لم تجد صدى في اشتغالات الوردي، بل انه وضع
طبائع المجتمع العراقي.. أزمة التاريخ
نشر في: 17 يوليو, 2010: 06:54 م