ياسين طه حافظ
سواء كان موضع احترام ام لم يكن، هو اولاً نمط, او نوع من الشعر، وثانياً هو ليس ذا مضمون واحد.
وان كان مضمونه واحداً فهو ذو اتجاهات شتى منها ماهو موجه لعيوب او مثالب اشخاص او كشف اسباب عدم الرضا عنهم ومنه ما لا يهتم بشخوص ولكن بحكام وأوضاع واحوال زمن. فقد يتجه لهذه من خلال هجاء الشخوص الذين يعيبهم الشاعر لرذائل وعيوب فيهم او لكراهته لما يؤاخذهم عليه.
عرفنا الهجائيين العرب ومنهم من بالهجاء اكتسب مجده او شهرته واحياناً اضاع قيم ومفاخر شعره بسبب طغيان الهجاء وكثرته. وتخليه عما في الحياة من امور مهمة اخرى! وهذا ليس مذموماً دائماً. هو ما قد يُحتاج له لكشف زيف او بخل او صنعة... فهو كشاف عيوب وفاضح رداءات شخصية، وقد تتسع قصيدته لتقصد قضيةً او تاريخاً او حالاً.
لا اريد تعداد اسماء يعرفها القارئ او درسها او حفظ لها. ما يهمني ان الفن الشعري تطور، فما عاد الهجاء شخصياً بحتاً ولكنه صار هجاء دولة وحكم وظروف اجتماعية وسوء احوال. ومثل هذا الشعر وهذا الهجاء يشفي غليل مستائين ومعانين ينتظرون من يثأر لهم أو يعبر عن استيائهم فيرتاحوا. لكن السياسة لم تتاخر من الافادة منه لشتم وكشف عيوب الحكم والحاكمين. وبسبب من ظروف الناس السيئة واستياءاتهم الواسعة بجد هذا الشعر هواة ومحبين، كما يجد شعراء يقفون الى جانبهم والى جانب شعوبهم. فهو اسهام مخلصين لقضية او قضايا، كما هو وقوف الى جانب مستضعفين بما ملكت ايديهم وما امتلكوا من طاقات تعبير. وعملهم هذا نضال وطني في جانب منه، لا سيما اذا كان عامراً بالانتباهات الذكية و ظل محتفياً بالفن الشعري فما استسهل الكتابة فيه صاحبه ولا هان.
هذا النمط من الشعر لا يخلو منه ادب من الاداب في كل لغة وبلد وليس مقصوراً على العرب او عل الادب العربي. بعض منه صار وثائق تعين على دراسة مجتمع لما فيه من شواهد.
بقي ان يرتقي اكثر فيقصد رداءات ارواح وسوء عقول وتفكير وتعاسات اخلاق وسلوك. وارى ان هذه المساحة تمتنّ لمثل هؤلاء الشعراء – لا كبعض المسهمين في النضال الوطني حسب ولكن في التعبير عن استياء الناس من سقوط افراد وتردي قيم وكذب مظاهر وادعاءات.
في ديوانه” مسؤوليات” وردت للشاعر الانجليزي الايرلندي ييتس قصائد نبيهة وخصبة يهجو فيها حالات من الايمانات الكاذبة والحب الزائف، والقناعات غير الحقيقية، او الواهمة. لعل قصيدته ايلول 1913 فضلى تلك القصائد. لقد هجا بلاده ايرلندا والصورة التي يراها بها بعض ابنائها وهي قصيدة تبقى في الذاكرة بسبب توحش التعبير والدلالة فيها: “ لأن ايرلندا الرومانتيكية ماتت ومضت” هو مستوى اخر من الهجاء، ارقى واوسع واقرب للثقافة ولحضارتنا.
وفي قصيده اخرى يقول عن اسلافه: “ لقد تركوا لي دما”! وحين يعيب جانباً شخصياً لا يشتم، لا تسقطه التعابير والالفاظ مما يُحسن العوام ولكنه يقول:
“ الى صديقه وصل عملها الى شيء”! ولعله يعني جريجوري التي واصلت النضال لتُمنى وثبة ايرلندا بالخيبة او حين يقول عن الثوار الايرلنديين: انهم وُزِنوا بخفة ما اعطوا “! وهو مع هذه المشاعر المستاءة ينوع أبعاده الدلالية، فهو يكشف “ حقيقة كل هذيان الشجعان “:
“ وسوف تصرخ “: “ الشعر الاصفر لأمرأة او “ هذه الدمى المستثارة”.. قال الكثير من هذا وهو مسكون بحب ايرلندا ويعلي روحها الاصيل الذي لم يلوثه الكذب..
ماهو نافع وجدير بالذكر ان ازرا باوند امتدح قصائد مسؤوليات حين صدورها،امتدح” عافيتها الجديدة” حيّا ييتس لدخوله ميدان الهجاء الأدبي: “ هناك كثير من الحمقى يجب قتلهم”، يقول إزرا. ولكن ييتس لم يقتلهم، ييتس اسف لعيوبهم او لضلالهم وشعر بالرثاء لهم وهم يهونون او وهم يعيشون بلا حقيقة وبلا معنى..