وديع غزواناعتدنا، في دول العالم الثالث، ان يشبعنا زعماء الاحزاب السياسية، ماداموا خارج السلطة، خطباً ووعوداً بالرفاهية والعيش الكريم وكل ما يتضمنه القاموس من مصطلحات تحيل حياتنا الى جنة في الارض. وقد تكون هذه الحالة في محيطنا العربي ومنه العراق اقرب الى الواقع،
حيث ان الزعيم والقائد لايجيد في خطبه غير كلمات النصر في وقت تنخر فيه الهزيمة بنيان نظامه المتهرىء اصلاً، وتراه بمناسبة وغيرها ير سم صورة زائفة لمستقبل يعرف قبل غيره انها بعيدة عن الحقيقة. هذه الحالة من القفز على الحقيقة والتعامي عنها، ومحاولة حجب الحقائق عن المواطنين، ظلت سمة اغلب القوى السياسية في علاقتها مع المواطنين، رغم ما كانت ترفعه من شعارات براقة عن ايمانها بالجماهير ووعيها، وقد يكون هو احد اسباب غياب التطبيق الديمقراطي الصحيح. غير ان هذه الصورة القاتمة من عدم ثقة النخب السياسية بجماهيرها لم تكن خافية عن ذهنية المواطن وحسه الفطري بان مشاكله لاتحل بدون تطبيق حي لمبادىء الديمقراطية واطلاق المجال لمشاركة واسعة في صنع القرار السياسي ليتحمل الجميع مسؤولية النجاح او الفشل ، لذا فقد قاوم المواطن انظمة الحكم الاستبدادية على مر التاريخ محاولاً التخلص من هيمنتها وسطوتها رغم كل ما تعرض له من اضطهاد وقهر، وكان يأمل ان التغيير الكبير والمفاجىء في 2003 كفيل بقلب الكثير من المعادلات في طبيعة العلاقة بين المواطن والنخب السياسية الجديدة، غير ان التجربة اثبتت بقاء العقلية المتعالية على المواطن واستمرارنهج اطلاق الوعود من دون التفكير بإمكانية تحقيقها، بل والاسوأ من كل ذلك لهاث غير مسبوق ولامبرر على المناصب وعد ذلك الهدف الاكبر على حساب ما كان يفترض ان يحصل وهو البحث عن عوامل ومقومات ترسيخ بناء تجربة ديمقراطية في عراق جديد عمل البعض على اجهاضها منذ البداية وما زال . على عكس ذلك ما يحصل في إقليم كردستان، حيث حرص فيه الجميع، ومنذ 1992ومع بداية بناء التجربة الكردستانية، على الاستفادة من دروس الماضي والمضي قدماً في ترسيخ اسس هذه التجربة والارتفاع على كل ما هو ثانوي من اجل الحفاظ على ما تحقق من مكتسبات، وفاءً لتضحيات المواطن الكردستاني وشهدائه.لقد ورث إقليم كردستان تركات ومشاكل ليست بالقليلة ، ولم يكن تجاوزها ممكناً لولا وجود القناعة لدى اطرافه السياسية وبالخصوص الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستانيين، بضرورة توحيد جهودهما من اجل جعل تجربة الإقليم نموذجاً في العراق، وفي المنطقة. والذي يتابع المسيرة الكردستانية منذ 1992حتى الآن يمكن ان يلحظ الفرق الكبير والواسع بين البدايات وما وصل اليه الإقليم من تطور في الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. ويمكن ان يلمس مدى الصدق مع المواطن من خلال مصارحته بالكثير من العقبات والهفوات والاخطاء التي قد تحصل هنا او هناك. لاندعي بان التجربة الكردستانية مثالية، لكن الواضح ان هنالك تقليداً يجري العمل لترسيخه، قوامه الوفاء بالوعود امام المواطنين، وتجذير المبادىء الديمقراطية وظهور خارطة جديدة في البرلمان الكردستاني بوجود معارضة قوية فيه نسبياً.ولانظن اننا نخفي سراً اذا قلنا ان كل تلك النجاحات في الإقليم، كانت وما زالت سبب امتعاض بعض السياسيين من التجربة وتخوفهم منها، بدلاً من الاستفادة من دروسها وهي كثيرة.
كردستانيات ..تجربة غنية بالدروس
نشر في: 17 يوليو, 2010: 07:18 م