TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > جملة مفيدة: هشاشة قواعد إدارة الدولة

جملة مفيدة: هشاشة قواعد إدارة الدولة

نشر في: 16 أكتوبر, 2022: 12:25 ص

 عبد المنعم الأعسم

عندما نقول ان السياسة ابتُذلت وتمرمطت الى مديات بعيدة، وانتـُهكت سمعتها واعتدي على عفافها على يد سياسيين جهلة ركبوها في غفلة من الزمن، واداروا دواليبها خلال دورة الاقدار ومصادفاتها، فاننا نشير بذلك الى السياسة كعلم من علوم الاجتماع يتخصص بتوزيع وإدارة القوة والنفوذ في مجتمع ما، او في نظام من الانظمة،

ولهذا العلم استقلالية وتعريفات ومحددات وتطبيقات، شأن العلوم الاخرى، غير انه يُنتهك الان وعلى مدار الساعة على يد اصحابه بالذات، واعني بذلك العاملين بساحته، ومن نسميهم بالسياسيين، او الساسة، او اصحاب الشأن، او ولاة الامر.

وعندما نتابع كيف تسابق، ويتسابق، سياسيو الازمة الشاملة الخانقة على تسييس قضايا لا تمت للسياسة بصلة مثل قضية تبليط شارع في حي مهمل، او تأمين علاج لطفلة يهددها الموت، او الحيلولة دون انتحار شاب خريج يئس من انتظار فرصة عمل، ونعبّر عن احتجاجنا على ذلك العبث بوسائل مختلفة، فاننا نقوم برصد منحدر خطير للقيم لجهة الهروب من اسئلة الراهن، ومحاولات نقل الصراع من مسار المشكلات ذات العلاقة بخيارات بناء الدولة وترسيخ هويتها الوطنية الى مسار التزاحم على كسب ود الناس بتزوير واختزال احتياجاتهم الاساسية، او على تأليب اولئك الناس ضد خصوم القتهم الاقدار في الطريق، باساليب بالية وقصيرة النظر، بين مَن يعتبر مبادرة التبليط مِنّة على سكان الحي، ومَن يراها “حركة” اصلاحية رائدة، وجوب ان يدفع الناس ثمنا باهظا عن هذه الوظائف التي يؤديها من يتقاضى اجرا عنها من ميزانية الدولة.

والحال فقد تأسست في حياتنا عقائد سياسية وادارية فجة بتوظيف كل خطوة او “منجز” اداري جزئي يتحقق لصالح المواطن والبلد في الدعاية السياسية، وتصنيع ابطال له، في غالبيتهم نواب انتخبوا لمهمات أكبر وأخطر، تتمثل في إشراك الشعب بالسياسات العامة وتكريس الرقابة على اعمال الحكومة.

لكن المشكلة، تعدّت حدود القضايا غير السياسية التي تُسيّس عن قصد وتسوّق الى الاعلام كقضايا سياسية كبرى، الى الحد الذي يضيع معه الفاصل بين قضية التهديد الخارجي للبلاد وبين تبليط شارع في حي من الاحياء.. أو قضية تعديل الدستور بموازاة معالجة التلكؤ في بناء سياج اثري تراثي متداعٍ، وهكذا فان ساحة الصراع السياسي في العراق اضرمت النار في كل المصطلحات السياسية ومعارفها، وبات الامر بالنسبة للملايين العراقية كما لو ان السياسة ضحك على الذقون، او كما انها عادت الى حقلها الاول الذي عرفت بها بالقول ان السياسة هي سوس الخيل..

وربما سوس دواب اخرى.

استدراك:

« الدجاجة هي أذكى الحيوانات، فهي تصيح بعد أن تضع البيضة».

إبراهام لنكولن

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناديل: يكتب كي لا يموت العالَم

 لطفية الدليمي في حياة كلّ كاتب صامت، لا يجيدُ أفانين الضجيج الصاخب، ثمّة تلك اللحظة المتفجّرة والمصطخبة بالأفكار التي يسعى لتدوينها. الكتابة مقاومة للعدم، وهي نوع من العصيان الهادئ على قسوة العالم، وعلى...
لطفية الدليمي

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram