TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > فينيسيــا الشـــرق: كــلام الخيــال

فينيسيــا الشـــرق: كــلام الخيــال

نشر في: 18 يوليو, 2010: 09:09 م

الدكتور مهدي صالح دوّايكثيرا" ما شدني الحماس لرؤية البصرة ، أو كما نعتت بفينيسيا الشرق، إلى أن تحققت رغبتي بزيارة البندقية، أو كما يطلق عليها بفينيسيا ، ذلك الأرخبيل الأدرياتيكي ذو المئة وعشرون جزيرة ، وإنها لمفارقة عجيبة أن يتحقق ماكان خيالا" ،
 وأتخيل ماكان حقيقة ، ولعل في هذا الأمر ماجعلني أكثر حماسا" في تخيلاتي نحو البصرة بعدما شاهدت التي يشبّهونها بها . rnفبين أن تتخيل وترى  مسافة تتحكم بطولها ثقافة المرء، ومضمون المكان ، فكثيرا" مايشدّ الرحال وتقطع آلاف الأميال لرؤية أثر حضاري ساكن ماديا" ، لا تتعدى مساحته الأمتار ، إلا انه يختصر الكثير من ثنائية الزمان والمكان التي تلف حياتنا ، ففينيسيا ، تلك المدينة المائية مازالت في ضيافة حواضرنا لتحكي لنا يوميا" طريقة بنائها ، ونمط حياتها ، ووسائط نقلها الخاصة ، وتفاصيل أخرى عديدة ، وعلى أرصفتها الخشبية تنهمر النظرات نحو لوحات طبيعية غارقة بمياه البحر ، وتحمل مراكبها يوميا ثقافات متنوعة بدياناتها وأزيائها ولغاتها ، فالمكان لاينبغي أن يكون عاديا" مادامت تفاصيله تقودك نحو مشاهدة التاريخ ، الذي تعودنا أن  نتحسسه في بطون الكتب وأفواه الرواة ، فهل من ثوابت أقدارنا أن نعيش بأمجاد مواضينا ، ويتذكرنا الآخرون بأسماء مدننا وآثارنا المسروقة في متاحفهم ؟ يقولون في البصرة ملايين النخيل توشوش بسعفها على مئات الأنهار العذبة، أصغرها بويب العظيم، وتستريح إلى شطها كل الحضارات الأولى ، وتحمل طياتها الأقوات الوفيرة، وفي رفاتها آلاف من قصص المآثر والأمجاد، وفمها المفتوح يديم للعراق بقائه ، ولدت قبل بغداد وبكت فرحا" بالفتوحات ، وتحملت أحزان العراق . يقولون إنها كفينيسيا بسواقيها وجنادلها ، وكانت تنتهي إليها الرحلات  طلبا" لعلمها واشراقة شمسها ، وتنطلق منها رحلات السندباد السبعة نحو بحار العالم ليتسلى بخيالاتها الكبار والصغار.إنها عفوية مصنوعة بذكاء عال لايسيء لتاريخ فينيسيا الايطالية ، فتآكل الجدران وتصدعاتها جزء من التراث ، والأعمدة الخشبية الدالة قد غرست في الماء ببدائية جميلة ’ وعشرات القناطر الخشبية توصلك بالماضي بسهولة ، في حين يغادر بك جندول بمجدافيه الخشبيين إلى حياة الارستقراطية الكلاسيكية ، فلا اثر لعوادم المحركات وزحمة النقل المعاصر ، الجميع يتعايشون بثقافاتهم مع المكان ، مدفوعون بما تمليه خيالاتهم من سلوكيات وحركات وأصوات تمنح المكان مشهدا" فسيفسائيا" يعزز من مكانة هذه المدينة الطافية ، انه استثمار بمذاق خاص للمكان ،  فلا أدخنة مصانع تلوث الشهيق ، ولا أتربة طرقات تعيق الزفير . سمعت أن انهر البصرة قللها الجفاف ، وعذوبة شطها تغير مذاقها ، وملايين نخيلها قد  انحسرت ، وإطلالات شناشيلها قد تصدعت ، إلا أني مازلت أعايشها بذاكرة الخيال الخصب ، فالتمس لذلك أعذارا" وأعذارا ، فالجغرافية عصية على من يغيرها ، ولابد من إحيائها بما نملك من مقومات جمة ، فكم ( بصرة )عندنا لنضحي بإحداها ، و أني لست أفضل الحريصين عليها ، بخاصة واني مازلت أتكلم بخيالي المتواضع دون أن أراها .كنت ضيفا على فينيسيا ، ولابد أن تنتهي الأيام الثلاثة لإقامتي ، وهنالك الملايين مثلي أنفقوا فيها ، وتكلموا عنها ، وأرّخوا لها عبر التاريخ ، فأي عطاء تزخر به هذه المدينة على أهلها ؟ وأي كرم يغدق به أهلها عليها ؟ انها حميمية العلاقة مع ما مضى بكل مايحمل من تضاريس النجاح والفشل، فهي جزء من منظومة الحياة مهما طال بها الزمن , وأصبح عتقها اكثر حضورا"  وجذبا" من المدن المعاصرة ، فليس من المعقول أن تكون الأمكنة ضحية لإخفاقات البشر ، لان لتلك الأمكنة ذاكرة ورمزية يزداد بريقها بمرور الأيام والحقب , فضلا عن وفائها لمن يديمها , فهي حاضنة التاريخ الذي نفنى ولاتفنى سجلاته .من الذي يترك بصمته التاريخية ليعيد تلك الألقاب والكنى لمدينة البصرة ؟ من يعيد لها العالمية التي تليق بها ؟ فكلام الخيال قد يكون أكثر إيقاعا" من دعوات الواقع ، فإذا لم نتحسس وجدانيا" أهمية هذه المدينة لايمكننا أن نعيدها كما تريد , نريدها تستوعب الخيالات بشكلها ومضمونها ، فخصوصيتها كفيلة بان تعود بالعراق إلى بر الأمان .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

التعديل الوزاري طي النسيان.. الكتل تقيد اياد السوداني والمحاصصة تمنع التغيير

حراك نيابي لإيقاف استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين

إحباط محاولة لتفجير مقام السيدة زينب في سوريا

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram